وفي 5 شباط/ فبراير، على الساعة الرابعة عصرا، حاصرت مجموعة من سيارات أجهزة الأمن منزل نصر الدين راربو، ثم قام عدد من أفراد الشرطة القضائية، مدعومين بأشخاص يرتدون ملابس مدنية، يرجح انتمائهم لمديرية الاستعلامات والأمن، بمداهمة بيت الضحية، وبعد تفتيش المنزل، ألقوا القبض على الشاب دون حتى أن يبلغوه سبب القبض عليه أو استظهار أمر قضائي بهذا الشأن، ثم اقتيد نصر الدين راربو إلى مركز الشرطة بالأربعاء حيث تم استقباله هناك بوابل من اللكمات والركلات، وجرده عناصر من الأمن من ملابسه وقيدوه بباحة مركز الشرطة، ظل فيها عدة ساعات يعاني من شدة البرد القارص، قبل استجوابه عن أنشطته على شبكة الفيسبوك، وخاصة حول حركة شباب 8 مايو 1945، وهي مجموعة من الشاب النشط، معروفة بإدانتها العلنية لضروب الفساد، كما أنها تدعو إلى إرساء دعائم الديمقراطية بالوسائل السلمية في الجزائر.
وفي هذا الموضوع، طلب منه عناصر الأمن باللباس المدني إمدادهم بكلمة السر لولوج حسابه على الفيسبوك، بالإضافة إلى مطالبته بتزويدهم بالمعلومات الشخصية عن أعضاء حركته، ونظرا لرفضه الامتثال لأوامرهم، استمروا في تعذيبه إلى غاية وقت متأخر من صباح اليوم التالي، ومن جملة ما تعرض له من أصناف التعذيب، الضرب المبرح، خاصة باستخدام عصا على باطن القدمين، أو ما يعرف باسم "الفلقة"، وعند إصراره رفض الكشف عن أية معلومات بشأن النشطاء من أصدقائه، هددوه بتسليمه إلى جهاز المخابرات، المديرية الاستعلامات والأمن بالبليدة، وبجعله "يختفي إلى الأبد".
ولم يعرض أمام قاضي محكمة الأربعاء إلا في اليوم التالي، أي الخميس 7 فبراير، وكان حينذاك في حالة يرثى لها، فوجه له القاضي تهمة "الإخلال بالنظام العام"، و"إهانة هيئات نظامية "، و"الكتابة في الأماكن العامة دون ترخيص"، لكن رغم كل تلك التهم، أطلق القاضي سراحه، وأمر بالإفراج المؤقت، وعند مغادرته مبنى المحكمة، هدده عناصر الأمن بالانتقام منه، في حالة تجرئه الحديث عما تعرض له من أعمال التعذيب .
إن هذه القضية، التي لا تشكل بأي حال من الأحوال مجرد حالة معزولة، تدل على عودة هذه الممارسات البغيضة، التي كنا نعتقد أنها اندثرت بلا رجعة، لكن يبدو من خلالها هدف السلطات واضحا، متمثلا في سعيها إلى إسكات الأصوات المعارضة داخل المجتمع، وقمع على وجه الخصوص أية احتجاجات مصدرها الحركات الاجتماعية والشباب الجزائري.
وبناء عليه قدمت الكرامة اليوم، قضية نصر الدين راربو إلى المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بمسألة التعذيب، كما أبلغت بذلك المقرر الخاص المعني بحرية التعبير، ملتمسة منهما حث السلطات الجزائرية لوضع حد لهذه الممارسات التي عاف عنها الزمن، وأضحت من مخلفات الماضي السحيق.