29 آب/أغسطس 2014

الجزائر: قرار الأمم المتحدة؛ يجب الإفراج عن جمال لعسكري المعتقل تعسفيا منذ 22 سنة

جمال لعسكري جمال لعسكري

تبنى الفريق العامل الأممي المعني بالاحتجاز التعسفي، خلال دورته 69 التي عقدها بجنيف، قرارا هاما بشأن المهندس المعماري جمال لعسكري المحكوم بالإعدام والمعتقل منذ 22 سنة فيما يعرف بقضية مطار الجزائر.

وقعت في 26 أغسطس 1992 على الساعة 10.45 ثلاثة تفجيرات متزامنة استهدفت القاعة الرئيسية بمطار الهواري بومدين بالجزائر العاصمة، والوكالات التابعة للطيران الفرنسي والسويسري (Air France ـ Swissair) مخلفة 9 قتلى و 128 جريحا.

ألقي القبض على السيد جمال، البالغ من العمر حاليا 54 سنة، في 7 سبتمبر 1992 ببيته دون إذن قضائي من قبل عناصر الأمن بزي مدني ثم نقل إلى مكان مجهول لتنقطع أخباره عن أسرته لأسابيع عدة.

أحيل على النائب العام "سايح عبد المالك" مع 30 متهما آخر في 4 نوفمبر 1992، بعد اعتقال في السر دام قرابة شهرين، تعرض خلالها لتعذيب قاس لا زال يحمل ندوبه إلى اليوم، واستمع له قاضي التحقيق في غياب محاميه.

أبلغ جمال وبقية المتهمين في قضية المطار أنهم لاقوا معاملة لاإنسانية، وتحدثوا عن تعذيبهم بقطعة قماش مبللة يتم إدخالها في فم الشخص لتحسيسه بالغرق (الشيفون)، والضرب بأنبوب مطاطي على أخمص القدمين، والتعليق من المعصمين لأيام متتالية، والحرمان من الأكل والنوم والصعق بالكهرباء في كل أنحاء الجسم وخاصة المناطق حساسة.

بثت السلطات في 1 أكتوبر 1990 اعترافات المتهمين الرئيسيين على القناة التلفزية الرسمية، وكانت علامات التعذيب بادية على وجوههم. واتضح فيما بعد أن عددا منهم اعتقلوا عدة أسابيع قبل عملية تفجير المطار.

لم تتبنى أية جهة هذه العملية وهو ما يطرح العديد من التساؤلات، خاصة وأنها كانت مبررا للسلطات العسكرية للقبض على نشطاء "الجبهة الإسلامية للإنقاد " وحظر "النقابة الإسلامية للعمل" التي استطاعت أن تصبح خلال أشهر معدودة أهم منظمة نقابية في البلاد.

قرر عبد الرحيم حسين رئيس "النقابة الإسلامية للعمل" ، والمتهم الرئيسي في القضية الاختباء، بعد أن أصبح مطلوبا من قبل المصالح الأمنية غداة انقلاب 1992، وأفلت من محاولة اغتيال قامت بها مجموعة من "منظمة الشباب الجزائريين الأحرار" وهي منظمة شبه عسكرية مناهضة للإسلاميين قريبة من الشرطة و إدارة الاستخبارات والأمن المعروفة اختصار بـ DRS.
اٍتّهِمَ جمال لعسكري، وأحد أقربائه بالتواصل مع عبد الرحيم حسين الذي اعتقل أيضا، ونقله عدة مرات على متن سيارته، الأمر الذي لم ينفيه أبدا، واتهم أيضا بمشاركته في التفجيرات.

اتخذت السلطات العسكرية من التفجيرات ذريعة لسن ترسانة قانونية قمعية، وأصدرت في سبتمبر 1992 المرسوم التشريعي رقم 92-03" بشأن مكافحة التخريب والإرهاب"، وأنشأت محاكم استثنائية التي نطقت بالعديد بمئات أحكام الإعدام بعد محاكمات عاجلة.

كانت قضية مطار الجزائر أول محاكمة كبيرة أمام المحكمة الخاصة التي أصدرت أحكاما بالإعدام في حق 12 متهما من ضمنهم جمال لعسكري، إثر إجراءات انتهكت فيها الهيئة القضائية أدنى حقوق المتهمين الأساسية وحقهم في محاكمة عادلة.

عرفت المحاكمة التي انطلقت في 5 مايو 1993 العديد من المشادات بين المحامين ورئيس المحكمة التي رفضت الأخذ بعين الاعتبار الخروقات التي شابت إجراءات المتابعة، بل هددت هيئة الدفاع بطردها من القاعة وبإصدار قرار يمنعها من ممارسة المحاماة لمدة سنة.

أُحضر المتهمون إلى قاعة المحاكمة في نفس اليوم ودماؤهم تسيل بعد أن تعرضوا للضرب على أيدي رجال الأمن بحرم المحكمة، دون أن يثير ذلك أي رد فعل من قبل النائب العام المساعد "ملاك" أو رئيس المحكمة "سعيد بوحلاس"، بل إن الصحفيين القلائل الذين اختيروا بعناية وسمح لهم بحضور المحاكمة التي منع منها العموم لم يتطرقوا للأمر.

قررت هيئة الدفاع، بعدما اقتنعت أن الحكم كان مقررا مسبقا، مقاطعة المحاكمة التي تم تأجيلها عدة مرات، قبل أن تعرف نهايتها في 26 مايو 1993 بإصدار حكم الإعدام في حق 12 متهما بما فيهم جمال لعسكري، الذي وجهت له تهمة "تحريض المواطنين على حمل السلاح ضد الدولة، والانتماء إلى جماعة مسلحة، وحيازة أسلحة محظورة ومنشورات تمس بالمصالح الوطنية" رغم أن هيئة المحلفين برأته بالإجماع من تهمة تفجير مطار الجزائر.
ورفضت محكمة الجزائر الخاصة الأخذ بحجج هيئة الدفاع، واكتفت بما جاء في محاضر الشرطة التي تحتوي على اعترافات المتهمين التي انتزعت منهم تحت التعذيب خلال احتجازهم المطول رغم غياب الأدلة.

رفض رئيس المحكمة "سعيد بوحلاس" الأخذ بالانتهاكات العديدة لحقوق المتهمين، منذ لحظة القبض عليهم وخلال فترة التحقيق المستعجل معهم، ورفضٍ قاضي التحقيق الاستماع إلى شهود الدفاع، كما رفض إجراء الخبرة على المتفجرات المستعملة أو إعادة تمثيل الجريمة. ورفض التحقيق في التفجيرين المتزامنين اللذين استهدفا وكالات الطيران الفرنسية والسويسرية بل ولم يذكرا أثناء المحاكمة. وأخيرا لم يحقق القاضي في السبب وراء عدم إخلاء قاعة المطار رغم تلقي المسؤولين بوقت طويل، قبل الانفجار المميت، حسب ماجاء في محاضر الشرطة، لمكالمات هاتفية تحذيرية من قبل الأشخاص المزعومة مسؤوليتهم عن التفجيرات.

طعن جمال لعسكري في الحكم أمام المحكمة العليا، التي عجلت على غير عادتها بإصدار حكمها في القضية في ظرف قياسي لم يتجاوز الشهرين، ورفضت طعن جميع المتهمين دون إعطائهم المهلة الكافية لتوكيل محامين من اختيارهم، بل عين نقيب المحامين بالجزائر العاصمة الأستاذ أحمد عباش هيئة دفاع ضد رغبة المتهمين، في انتهاك صارخ لحق من حقوقهم الأساسية في توكيل من يرونه صالحا للدفاع عنهم.
أعدم سبعة من المدانين في الخلاء أحد أيام أغسطس 1993 على الساعة 3 صباحا، بحضور النائب العام المساعد للمحكمة الخاصة "ملاك"، والقاضي الذي نطق بالحكم "سعيد بوحلاس"، الذي تمت ترقيته منذ ذلك الحين لمنصب رئيس مجلس قضاء الجزائر، إضافة إلى أربعة محامين تم استدعاؤهم ليلة الإعدام.

نفذ الحكم في حسين عبد الرحيم رئيس "النقابة الإسلامية للعمل" ورشيد حشايشي، ربان قائد بطيران الجزائر ورئيس فرع الربابنة بـ "النقابة الإسلامية للعمل"، وسعيد سوسين، نائب رئيس الجمعية الشعبية ببلدية بوزريعة. و تأجل تنفيذ الأحكام في المتهمين الخمسة المتبقين بما فيهم جمال لعسكري إلى أجل غير مسمى. قررت السلطات بعد أشهر وقف تنفيذ هذه الأحكام، بعدما أثارت  الإعدامات استنكارا واسعا خاصة لدى المنظمات الحقوقية غير الحكومية التي اعتبرتها انتقاما سياسيا.

بقي جمال في السجن منذ 1992، أي ما يقارب 22 سنة بعد محاكمة جائرة، رغم صدور الأمر الرئاسي المتعلق بمراسيم تنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية لسنة 2006، والذي ينطبق عليه قانونا بعد تبرئته من "استعمال متفجرات في أماكن عامة".

توفي والد جمال الكولونيل عمارة العسكري الملقب بعمارة بوكلاز سنة 1995 . وكان إبان حرب التحرير  قائدا للقاعدة الشرقية بجيش التحرير الوطني، ودفن بمقبرة شهداء الثورة الجزائرية بالعالية دون أن يلقي نظرة أخيرة على ابنه للمرة الأخيرة. تتساءل عائلة جمال عن الدوافع الحقيقية التي تقف وراء استمرار اعتقاله التعسفي التي قررت في الأخير اللجوء إلى الفريق العامل الأممي المعني بالاحتجاز التعسفي، بعدما استنفذت جميع الإجراءات القضائية المحلية، لدى النيابة العامة لمجلس قضاء الجزائر ووزارة العدل في مطالبتها بالإفراج عنه طبقا للقانون.

استجاب الخبراء الأمميون لطلب العائلة بعد فحصهم للقضية، وخلصوا أن اعتقال جمال لعسكري تعسفي وأن محاكمته سنة 1992 كانت جائرة. وأن الإجراءات القضائية انتهكت مواصفات المحاكمة العادلة وخاصة المواد 9 و 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صادقت عليه الجزائر سنة 1989. كما اعتبروا أن ميثاق السلم والمصالحة الوطنية لسنة 2006 ينطبق عليه وكان من المفروض الإفراج عنه.

وجه الفريق العامل هذا القرار بشكل استثنائي إلى المقرر الخاص المعني بمسألة التعذيب، وطالب السلطات الجزائرية بالإفراج الفوري عن جمال دون شرط، وتعويضه عن الأضرار الناجمة عن حرمانه التعسفي من حريته. وسيرفعون القرار في تقريرهم إلى مجلس حقوق الإنسان خلال دورته المقبلة.

 

لمزيد من المعلومات، الرجاء الاتصال بالفريق الإعلامي عبر البريد الإلكتروني
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

أو الاتصال مباشرة على الرقم 0041227341007 ـ تحويلة 810

الجزائر - آليات حقوق الإنسان

العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR)

المصادقة: 12 سبتمبر 1998

البروتوكول الاختياري الأول (OPCCPR1) الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بشأن تقديم شكاوي من قبل الأفراد

المصادقة: 12 سبتمبر 1998
التقرير الحكومي مرتقب منذ 1 نوفمبر 2011 (التقرير الرابع)
الملاحظات الختامية 12 ديسمبر 2007
قدمت الكرامة تقرير متابعة في 5 نوفمبر 2011 (PDF)

اتفاقية مناهضة التعذيب (CAT)

المصادقة: 12سبتمبر 1989
البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب (OPCAT): لا
المادة 20 (تحقيق سرى): نعم
المادة 22 شكاوى فردية): نعم
التقرير الحكومي مرتقب منذ: 20 يونيو 2008 (التقرير الرابع)
الملاحظات الختامية: 16 مايو 2008

الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري (CED)

التوقيع: 6 فبراير 2007

المراجعة الدورية الشاملة (UPR)

الاستعراض الأخير: مايو 2012 (الدورة الثانية)
الاستعراض المقبل: لم يعلن عنه بعد

المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان (NHRI)

اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها (CNCPPDH) تصنيف ب