11 آذار/مارس 2008

المغرب: مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يبحث وضعية حقوق الإنسان

سيجتمع مجلس حقوق الإنسان يوم 8 نيسان/ أبريل 2008 لإجراء مراجعة دورية شاملة لتقارير المغرب، وقد تقدمت الكرامة في هذا الإطار بمساهمة يوم 20 تشرين الثاني / نوفمبر 2007.

المغرب

مساهمة في إطار المراجعة الدورية الشاملة

الكرامة لحقوق الإنسان، 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 2007

ملخص

على إثر وفاة الملك الحسن الثاني في تموز/ يوليو 1999، أعرب وريث عرشه، ابنه محمد السادس الذي خلفه على رأس المملكة، عن استعداده لإضفاء الطابع الديمقراطي على الحياة السياسية والجمعوية للبلاد، غير أن الآمال التي كانت معقودة على هذه الوعود باءت بالفشل وبعد فترة وجيزة من اعتلاءه العرش، شهدت حقوق الإنسان والحريات العامة انتكاسات بليغة. ولن نتطرق في إطار هذا التقرير سوى لبعض الجوانب، التي تميزت بانتهاكات فادحة لحقوق الإنسان الأساسية، والتي تفاقمت بشكل كبير مقارنة مع ما شاهدته السنوات الأخيرة في التسعينات وبداية الألفية الثالثة.

وعلى إثر اعتداءات 16 أيار/ مايو 2003 ألقي القبض على الآلاف من الأشخاص بشكل تعسفي وتم تعذيبهم وسجنهم عقب محاكمات مجحفة، ولا تزال هذه الوضعية مستمرة إلى يومنا هذا. وينص القانون الجديد المتعلق بمكافحة الإرهاب والصادر في 28 أيار /مايو 2003 على بعض التدابير التي تنتهك المبادئ التي تكرسها الاتفاقات الدولية التي صادق عليها المغرب.
ولا يقتصر ممارس التعذيب بشكل شبه منهجي وعلى نطاق واسع على الأشخاص الذين يوجدون رهن الحجز التحفظي للانتزاع منهم اعترافات فحسب، بل ويمارس بشكل اعتيادي في مراكز الاعتقال التي تخضع لجهاز مراقبة التراب الوطني، ولمصالح الاستخبارات الداخلية..
وثمة مشكلة أخرى تثير القلق البالغ وهي أن مصالح الأمن المغربية تسخر من قبل نظيراتها الأجنبية للاستعانة بها في ممارسة التعذيب في إطار مكافحة الإرهاب.
وقد تعرضت حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات من جديد إلى تقييد خطير، مما نجم عن ذلك إلقاء القبض على عدد كبير من الأشخاص وإدانتهم عقابا لهم على التعبير سلميا عن آراءهم وقناعاتهم.
كما يشكل موضوع المعاملة القاسية التي يتعرض لها الكثير من اللاجئين والمهاجرين موضوع قلق آخر ، خاصة ما يتعلق منه بالترحيل في ظروف لا إنسانية ومهينة تحط من قيمة البشر، الذي يتعرض لها بعض طالبي اللجوء او اللاجئين المعترف لهم بهذه الصفة.

1. القانون الخاص بمكافحة الإرهاب، المؤرخ في 28 أيار / مايو 2003

ُيدخِل هذا القانون تعديلا على القانون الجنائي وقانون الإجراءات الجنائية بحيث يزيد من طابعه القمعي. ونظرا لعدم دقة تعريف مصطلح الإرهاب بما يكفي، ينجم عن ذلك تمديدا في مجال تطبيق حكم الإعدام، وتعزيزا لصلاحيات ونفوذ الشرطة بما يهدد حرية التعبير، كما ينص هذا القانون على تمديد الفترة القانونية للحجز التحفظي التي قد تصل أحيانا إلى مدة 12 يوما دون أن تتاح أمام المتهم فرصة الحصول على محام للدفاع عنه او طبيب للعلاج او زيارة احد أفراد أسرته.

ووفقا لهذا القانون، تطلق صفة الأعمال الإرهابية على كل "انتهاك يرتكب عمدا، في إطار فردي أو جماعي، يستهدف المساس الخطير بالأمن العام من خلال ممارسة التخويف او الرعب او العنف". والملفت للانتباه أن هذا التعريف ينطبق في واقع الأمر على أفعال جد متنوعة، قد تشمل تدمير او إتلاف وسائل الاتصال والسرقة والغش وتزوير الأوراق المالية. وما إلى ذلك.
وتتميز العقوبات المنصوص عليها بموجب هذا القانون الجديد بالقسوة والشدة على نحو ملفت، وبذلك استبدل هذا القانون عقوبة السجن المؤبد كحكم منصوص عليه في القوانين السابقة بعقوبة الإعدام، أما تمجيد الإرهاب من خلال التصريحات المكتوبة او الشفهية، فتكون عقوبتها  ثقيلة جدا بمقتضى هذا القانون الجديد.

2. الاعتقال التعسفي والسري

وقد ارتفع عدد الاعتقالات ذات الطابع السياسي منذ عام 2002، وخاصة عقب الاعتداءات التي وقعت في الدار البيضاء يوم 16 أيار /مايو 2003 والتي أسفرت عن وفات 45 شخصا ومئات المصابين الآخرين. وحسب تصريحات رسمية، أكثر من 900 شخص ألقي عليهم القبض في هذا الإطار، فيما تتحدث بعض المصادر الأخرى عن ألفي حالة توقيف في الفترة ما بين عام 2002 و 2004. وفي كثير من الأحيان يتم اعتقال الأشخاص المتهمين بالانتماء إلى مجموعات إرهابية او الإعداد لارتكاب أعمال إرهابية و/ او المساس بأمن الدولة في أماكن سرية.
وغالبا ما يتم إلقاء القبض على المشتبه فيهم على أيدي عناصر جهاز مراقبة التراب الوطني، رغم عدم توفر هؤلاء على صفة ضباط الشرطة القضائية ومن ثم فهم ليسو مخولين قانونا بإجراء تلك الاعتقالات، علما أنهم يتنقلون غالبا بزي مدني وفي سيارات مموهة. ولا يقومون بواجب إبلاغ الأشخاص الذين يلقون عليهم القبض سبب هذه الاعتقالات ولا يقدمون لهم مذكرة التوقيف ( وأنى لهم ذلك،  بما أنهم غير مخولين للقيام بهذه المهام)، ثم يساق بالمشتبه فيهم إلى مقرات الشرطة او مراكز جهاز مراقبة التراب الوطني  حيث يبقون رهن الاعتقال خلال فترات الحجز التحفظي التي تتجاوز عادة المهلة المحددة قانونا. ولا تبلغ عائلات الضحايا بمكان الاعتقال ولا تعلم شيئا عن المعاملات القاسية التي يتعرضون لها، مع انتهاج هذه السلطات في غالب الأحيان سبيل النفي القطعي لأمر اعتقالهم من أصله. وقصد التستر على هذه الاعتقالات التعسفية، يتم تزوير تاريخ التوقيف الوارد في المحاضر، ويمكننا في ضوء ذلك تشبيه هذا الحجز التحفظي المطول بـ" اختفاء قسري" مؤقت.
لقد تعرض السيد أحمد سوفري، المواطن السويدي من أصل مغربي للتوقيف من قبل مصالح أمن مدينة تطوان يوم 26 كانون الأول / ديسمبر 2006 عقب قيامه بزيارة عائلية، ثم عُرض على قاض تحقيق بمحكمة الرباط يوم 10 كانون الثاني / يناير 2007، وذلك بعد قضاءه 16 يوما في الحجز التحفظي، منها 14 يوما سرا. ويفيد هذا الأخير أنه تعرض للتعذيب خلال الأيام التسعة الأولى من اعتقاله سرا. وإلى يومنا هذا لم يحاكم ولا يزال معتقلا على نحو تعسفي رغم أنه لم يوجه إليه أي فعل محدد يمكن أن يقع تحت طائلة الصفة الجنائية، التي تبرر متابعته قضائيا. 

ويشكل مركز تمارة الواقع على بعد حوالي 15 كيلومترا من الرباط،  أحد مراكز الاعتقال الأكثر أهمية، إذ يستخدم في غالب الأحيان لاستقبال الأشخاص المشتبه في قيامهم بأنشطة إرهابية، ومن ميزات هذا المركز كونه يدار من قبل جهاز مراقبة التراب الوطني، الذي يتولى المهمة الرسمية المتمثلة في " السهر على حماية وحفظ أمن الدولة ومؤسساتها"، والجدير بالذكر أنه لا تتوفر في أعضاء جهاز مراقبة التراب الوطني صفة ضباط او أعوان الشرطة القضائية ومن ثم لا يخول لهم القانون إجراء الاعتقالات ولا حجز المشتبه فيهم ولا التحقيق معهم. ويمكننا في ضوء ذلك الجزم أن مركز تمارة لا تتوفر فيه المواصفات اللازمة ليشكل مكانا مناسبا للاعتقال في إطار الحجز التحفظي، وبناء عليه، يمكن اعتباره يدار خارج القواعد القانونية المعتمدة.

3. التعذيب، وخاصة تعذيب المعتقلين الذين يحضون بحماية القانون

تتم عمليات تعذيب المعتقلين، بشكل عام ، خلال فترة الحجز التحفظي، غير أنه في الكثير من الحالات يستمر التعذيب حتى بعد إدانة المتهمين، وفي هذه الحالة يتم ذلك على يد عناصر جهاز مراقبة التراب الوطني وحراس السجون على حد سواء. أما فترة 12 يوما، رغم كونها جد طويلة في حد ذاتها، ومع ذلك نادرا ما تحترم، حيث يقوم عناصر جهاز مراقبة التراب الوطني  أو أعوان الأمن الذين أجروا الاعتقالات وحققوا مع المتهمين، بتعريض الأشخاص الموجودين رهن الحجز التحفظي لشتى أصناف العنف قصد انتزاع منهم معلومات او "اعترافات". وكثيرا ما يضطر الأشخاص المعتقلون على التوقيع على محاضر تشتمل على إفادات لم يدلوا بها في الواقع. وفي معظم الحالات تستند الإدانات إلى محاضر التحقيق، خاصة لما يتعلق الأمر بأشخاص متهمين بالانتماء إلى الحركة الإسلامية او عناصر من الشعبة الصحراوية لمنتدى الحقيقة والعدالة، وهي منظمة لحقوق الإنسان. وضمن هؤلاء، أدين عدد كبير منهم، على غرار بزيد سالك واحمد ناصري، في عامي 2002 و2003 بعقوبات سجن بناء على اعترافات انتزعت منهم تحت التعذيب.

وبلا منازع، فأكبر مجموعة من الأشخاص تعرضت للتعذيب هم من الناشطين الإسلاميين المتهمين من قبل السلطات بممارسة أنشطة إرهابية. وتمثل هذه الفئة منذ اعتداءات 16 أيار / مايو 2003 الغالبية الساحقة من معتقلي الرأي، وهم بذلك يطالبون، من خلال قيامهم بحركة إضراب مفتوح عن الطعام، بالوضع القانوني للسجناء السياسيين، الأمر الذي ترفضه لهم السلطات المغربية.

وفيما يتعلق بالمعلومات الواردة أدناه، فإننا نستند بشكل أساسي إلى الوثائق المقدمة من قبل جمعية وطنية لمساندة السجناء السياسيين، " النصير"، نعرض في هذا السياق جزءا منها كملحق في هذا التقرير. وتصف هذه الوثائق طبيعة المعاملة التي يتعرض لها النزلاء في سجن زكي بمدينة سلا وسجن القنيطرة، ابتدءا من فترة الحجز التحفظي إلى غاية اعتقالهم بعد إدانتهم. ومن الأهمية بمكان ملاحظة انه في أعقاب التفجيرات التي وقعت في 2003، انتقلت إدارة الجناح "م" من سجن سلا ، مباشرة تحت سيطرة جهاز مراقبة التراب الوطني، في حين تعود إدارة السجن في حقيقة الأمر إلى وزارة العدل، وبذلك يحظى أفراد جهاز مراقبة التراب الوطني كامل السلطة لتوجيه الأوامر لموظفي السجون، من مدير المؤسسة إلى أبسط سجان، ويتوفرون على مقرات في هذا الجناح، حيث يقومون بتعذيب نزلاءه.

تمثل الوثائق المرفقة بهذا التقرير عينة من حوالي 300 معتقل، غالبيتهم هم من نزلاء سجن القنيطرة، بعضهم مرّ بسجن سلا قبل نقلهم إلى السجون المركزية. ويتراوح متوسط عمر المعتقلين بين 35 و40 سنة، وحوالي الثلثين منهم متزوجون، وجميعهم تقريبا محكوم عليهم بعقوبات ثقيلة: قرابة 10% محكوم عليهم بالإعدام، أكثر من 30% بعقوبة سجن مدى الحياة، ما يربو على 30% بعقوبة سجن تتراوح بين 20 و 30 سنة. وبالنسبة للمحكوم عليهم بالسجن مدى الحياة أو بالحكم بالإعدام من بين نزلاء سجن سلا، فيتم نقلهم إلى سجون أخرى، منها سجن القنيطرة، أما باقي السجناء فيقضون عقوبات سجن تتراوح بين 5 و 30 سنة.

تقريبا كافة المعتقلين قضوا فترات اعتقال في السر تتراوح بين بضعة أيام وأكثر من ثلاثة أشهر ( على سبيل المثال، مصطفى القمريمي اعتقل سرا لمدة تقارب 15 شهرا في مركز الأمن بالناضور وفي مركز تمارة)،  وحوالي 60% منهم تعرضوا للاعتقال السري لفترات تتجاوز الفترة القانونية من الحجز التحفظي، بالإضافة إلى أن معظم المعتقلين مرّوا بمركز جهاز مراقبة التراب الوطني في تمارة.

فأول استنتاج يثير الانتباه هو أن التعذيب يجري على نحو منهجي وعلى نطاق واسع، ويمارس في جميع مراحل الاعتقال بل ويتواصل بعد محاكمة المتهم وإدانته، غير أن التعذيب يتم في هذه المرحلة على يد موظفي السجون أو أفراد جهاز مراقبة التراب الوطني داخل السجن، مع تأمين الإفلات من المسائلة والعقاب. ويتعرض العديد من السجناء إلى الحبس الانفرادي في زنزانات لفترات تتراوح بين بضعة أيام و30 يوما ( 60 يوما بالنسبة لعبد الوهاب ربيع) في سجن القنيطرة. وفي سجن سلا، تعرض كل من توفيق يترب وهشام ضرباني ومروان عسول للاعتقال الانفرادي، على التوالي لمدة ثلاثة، وستة وعشرة شهور، في عزلة تامة عن العالم الخارجي.

ويشير سجناء القنيطرة إلى تعرضهم لطرق تعذيب مشابهة لتلك المستخدمة أثناء فترات الحجز التحفظي المطولة في مركز تمارة، منها على سبيل المثال: الضربات على جميع أجزاء الجسد بالنسبة لتقريب جميع المعتقلين، الخرقة المبللة التي تدخل في فم المتهم قصد إشعاره  بحالة الاختناق (أو ما يطلق عليه اسم "الشيفون") لـ 40% منهم، الصدمات الكهربائية على جميع أجزاء الجسد في 30% من الحالات، التعليق بالنسبة لأكثر من 40%، تمزيق أجزاء من الجسد او إدخال أدوات مختلفة داخل دبر المعتقل او تهديده بالاغتصاب في ثلثي الحالات تقريبا، التجريد من الملابس بشكل تام لتعريته كليا إمعانا في الإهانة والشتم وسب المعتقدات الدينية والحرمان من الغذاء والماء والنوم. كما يتعرض السجناء بشكل منتظم لعمليات سرقة من قبل السجانين بالإضافة إلى نهب ما تحضره أسرهم من المأكولات وغيرها أثناء الزيارات.

لقد شهدت السنوات الأخيرة عددا كبيرا من حالات الوفيات تحت التعذيب:

عبد الحق بنتسير، اعتقل رسميا يوم 26 أيار/ مايو 2003 بتهمة المشاركة في أحداث 16 أيار / مايو التي جرت في الدار البيضاء، توفي يوم 28 أيار/مايو، واستنادا إلى تصريح الحكومة، يعود  سبب هذه الوفاة إلى مضاعفات مرض القلب والكبد التي كان يعاني منها، بينما تفيد أسرته بأنه تم اعتقاله يوم 21 أيار/مايو وكان آنذاك يتمتع بصحة جيدة. ولم تسمح السلطات بإجراء تشريح طبي من قبل طبيب مستقل كما أنها لم تجر تحقيقا علنيا في هذا الصدد.

والجدير بالذكر، أن ممارسة التعذيب لا تقتصر فقط على المعتقلين السياسيين، إذ تعرض سجناء الحق العام هم كذلك للتعذيب مما أودى في حالات معينة بحياة البعض منهم: محمد أيت سي رحال توفي يوم 25 تموز/ يوليو 2002 بأحد مراكز الشرطة في مدينة مراكش على إثر  مضاعفات ناجمة عن سوء المعاملة وشدة الضربات التي وجهت له. 
وغالبية المشتبه فيهم ليسوا على علم بحقوقهم الأساسية المنصوص عليها في القانون المغربي، وبالتالي لم يطلبوا بحضور محام عند مثولهم أمام القاضي أو المدعي العام ولم يقدموا شكاوى بشأن ما تعرضوا له من تعذيب أو احتجاز، فضلا عن كونهم يخشون استفحال قضاياهم إذا ما قدموا تلك الشكاوى. وفي غالب الأحيان، لا يشتكون من سوء المعاملة التي تعرضوا لها إلا أثناء مثولهم أمام قاضي التحقيق خلال جلسات لاحقة، غير أن السلطات القضائية دأبت على رفض جميع هذه الدعاوى دون أن تعير لها أدنى اهتمام ودون أن تطلب بفحوصات طبية او بفتح تحقيق فيها. وإلى جانب ذلك، تأخذ هذه الهيئات القضائية على نحو منهجي جميع الاعترافات والتصريحات الواردة في المحاضر التي تمت في إطار الإجراءات الأولية، في عين الاعتبار حتى لما يصرح المتهم بأنه تعرض للتعذيب وأن المدة القانونية للحجز التحفظي تم تجاوزها.

4. الاعتقال السري، و" تسليم" الرعايا الأجانب

عقب اعتداءات 11 أيلول / سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، تعاون المغرب تعاونا كاملا ونشطا مع الولايات المتحدة في مجال مكافحة الإرهاب، وعلى وجه التحديد، قامت وكالة الاستخبارات المركزية بتنظيم رحلات جوية نقلت خلالها عددا من المشتبه فيهم إلى بلدان تعرض فيها هؤلاء إلى الحبس الانفرادي السري وتعرضوا للتعذيب في حضور وكلاء مغاربة وأمريكيين، وثمة أدلة على أنه ما لا يقل عن 28 من تلك الرحلات الجوية قد حطت في مطارات المغرب منذ ذلك التاريخ. (1)

إحدى الحالات الأكثر دلالة تجسدها قضية بنيام محمد، المواطن الإثيوبي المقيم في بريطانيا والذي تم توقيفه في باكستان ثم ُنقِل يوم 22 تموز / يوليو 2002 إلى المغرب حيث ظل معتقلا في سرية تامة خلال 18 شهرا في سجن تمارة قبل أن يرحل من جديد نحو أفغانستان ثم إلى غوانتنامو. وقد أفاد هذا المعتقل انه تعرض للتعذيب أثناء فترة احتجازه كلها في المغرب، مضيفا أن "ذروه التعذيب تمثلت في وتجريده من ملابسه كلها واستخدام مبضع طبيب لإحداث فتحات على صدره وعلى أجزاء أخرى من جسده، ثم قام أحدهم بأخذ قضيبي في يده وبدأ يشجه، ثم توقفوا لمدة دقيقة واحدة يراقبون رد فعلي، في حين كنت أكابد الموت، وأجهش بالبكاء وأحاول عبثا تملك نفسي، لكنني لم أستطع ذلك، فواصلت الصراخ، ربما عاودوا هذه العمليات عشرين او ثلاثين مرة، لمدة استمرت ساعتين تقريبا، وانساب الدم في كل مكان، وقاموا أيضا بشق الأجزاء الأكثر حميمية من جسدي، ثم تدخل أحدهم قائلا انه من الأفضل قطع هذه الأجزاء بشكل كلي، بما أنني لن أنجب سوى الإرهابيين (2).

أما محمد زمار، وهو مواطن ألماني من أصول سورية، فقد تعرض للتوقيف في المغرب حيث كان يمضي فيها بعض الأسابيع. وفي 11 كانون الأول / ديسمبر 2001، تم إلقاء القبض عليه بمطار الدار البيضاء واعتقل على إثر ذلك سرا خلال أسبوعين قبل أن يرحل إلى دمشق، وهو أيضا تم استجوابه من قبل أفراد أمن مغاربة وأمريكيين.

كما تم تسليم إلى السلطات المغربية في شهر أب/ أغسطس 2004 خمسة مغاربة أقاموا في أواخر عام 2001 بباكستان واعتقلوا سرا لمدة عامين وثمانية أشهر بالقاعدة الأمريكية في غوانتنامو، ويتعلق الأمر بكل من عبد الله تبارك، وياسين شكوري، وبراهيم بن شقرون، ومحمد معزوز، ومحمد أوزار. وهم أيضا احتجزوا في مركز جهاز مراقبة التراب الوطني بتمارة قبل أن يعرضوا على القضاء في شهر كانون الأول/ ديسمبر من نفس السنة (3).

5. فرض قيود صارمة على حرية الاجتماع وتكوين الجمعيات وحرية التعبير

كثير من التظاهرات تم قمعها بوحشيه من قبل قوات حفظ النظام، فضلا على أن استعمال العنف في هذه الحالات أمر شائع. وألقي القبض على عدد كبير من المتظاهرين أثناء هذه المظاهرات، أدين عدد منهم بعقوبات سجن جد ثقيلة، ويتعلق الأمر على وجه التحديد بالمناضلين في القضية الصحراوية والمدافعين عن حقوق الإنسان والعاطلين عن العمل والنقيبين ومناضلي الأحزاب السياسية.

وفي عام 2006، نظمت جماعة العدل والإحسان حملة وطنية للإعلام تحت شعار " أيام الأبواب المفتوحة"، وذلك في غالبية مدن وقرى المملكة، تم على إثرها توقيف 2360 شخص من بينهم 300 امرأة والعديد من القصر، خضعوا كلهم للتحقيق على يد الشرطة، وأدين 578 شخصا من بين هؤلاء الموقوفين بانتمائهم إلى جمعية محظورة وبالمشاركة في تجمعات غير مرخص لها. عدد منهم حوكم عليه بعقوبات سجن نافذة. وقد تعرض عدد من أفراد هذه الجمعية التي تنظر إليها السلطات باعتبارها جماعة محظورة، رغم قيامها بالإجراءات اللازمة التي ينص عليها القانون للحصول على الاعتماد القانوني، فضلا عن الإعلان بمشروعيتها عقب إجراءات قضائية عديدة، إلى أصناف المضايقات الإدارية والقضائية على نطاق واسع ومعمم. كما تعرضت بعض المنازل التي عقد فيها أعضاء من الجماعة اجتماعاتهم للهدم بناء على أوامر من الإدارة، إلى جانب غلق وتشميع العديد من البيوت الأخرى.

ولم تنجو تجمعات جماهيرية نظمتها نقابات العمال والمجتمع المدني هي الأخرى من سيف الحظر: تعرض المشاركون في مسيرات لمساندة الشعب اللبناني عقب القصف الإسرائيلي في صائفة 2006 للقمع، فيما منعت مسيرات موظفي وزارة العدل في كانون الأول/ ديسمبر 2006 وأيار/ مايو 2007 تعبرا عن احتجاجهم على ارتفاع الأسعار.

وأوقفت الشرطة المغربية عددا كبيرا من مناضلي الجمعية المغربية للحقوق الإنسانية بعد مشاركتهم في تظاهرات سلمية عديدة إبان سنة 2007، وأدين بعضهم بالمساس بالنظام الملكي، وحوكم عليهم بعقوبات سجن لعدة سنوات وبغرامات باهظة.

6. سوء معاملة اللاجئين والمهاجرين

ألقت قوات الأمن القبض على آلاف الأشخاص ممن يشتبه في كونهم مهاجرين غير شرعيين، منهم عدد من القصر، وتم ترحيلهم إلى الجزائر وموريتانيا، ومن بين مئات الأشخاص الذين رحلوا نحو الجزائر في شهر كانون الأول/ ديسمبر 2006، يوجد ما لا يقل عن عشرة أشخاص معترف لهم بوضعيتهم كلاجئين و60 من طالبي اللجوء لدى مكتب المفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة بالرباط. إن الأشخاص الذين يتركون على مشارف الحدود الجزائرية أو في الصحراء الغربية، في الصحراء القاحلة، لا يتوفرون لا على ما يلزمهم من الماء ولا الغذاء، بحيث عثر على أحدهم ميتا نتيجة تجفف جسده جراء العطش القاتل. وأفاد عدد كبير من المهاجرين المرحلين أنهم تعرضوا للاعتداء الجنسي على أيدي أفراد من قوات الأمن الجزائرية والمغربية.

الخلاصة

شهدت وضعية حقوق الإنسان في المغرب خلال السنوات الأخير تراجعا ملحوظا، فتحت غطاء مكافحة الإرهاب، ارتكبت انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، كما أن الاعتقال السري والتعذيب المنهجي يثران قلقا بالغا خاصة لما يتعلق الأمر بأشخاص يتعرضون لعمليات ترحيل غير قانوني من قبل دول أجنبية، وثمة ضرورة ملحة لمعرفة ما إذا كانت هذه الممارسات ما زالت سارية المفعول.

 ولا يزال تكميم المجتمع المدني، عن طريق فرض قيود على حرية التعبير والاجتماع وتكوين الجمعيات السلمية، يثير بالغ القلق.

أما قيام المغرب بدور الدرع بصفته بلد عبور لتدفق المهاجرين نحو أوروبا، فإن هذا الدور يثير العديد من التساؤلات ويشكل مصدرا للقلق، هذا إلى جانب تجريم السلطات المرشحين للهجرة وترحيلهم في ظروف لا إنسانية نحو مناطق يخشى فيها على حياتهم.


1. ستيفن غراي، "الطائرة الشبح، القصة الحقيقية لبرنامج التعذيب لوكالة الاستخبارات الأمريكية"، دار نشر سنت مارتن برس، نيو يورك، 2006

2. م. ديك مارتي، "ادعاءات الاعتقالات السرية والترحيل غير المشروع للمعتقلين فيما يخص الدول الأعضاء في المجلس الأوروبي"، 12 حزيران/يونيو 2006، ص 47.

3. ماروك أبدو أنترناسيونال رقم 682، من 20 إلى 26 كانون الثاني/ يناير 2006

آخر تعديل على الثلاثاء, 25 آذار/مارس 2008 11:11