21 آذار/مارس 2013

السعودية: إطلاق اليمني الحديقي معاقاً بعد ثمان سنوات من الحجز التعسفي وسوء المعاملة

KSA Al Hadiqi أخيراً، أطلقت السلطات السعودية سراح المواطن اليمني ناصر عبدالله الحديقي، الجمعة الفائت 15 مارس/ آذار 2013، بعد أكثر من ثمان سنوات من الاحتجاز التعسفي في سجون المملكة، تعرض خلالها لصنوف شتى من التعذيب وسوء المعاملة، في حين لا يزال يعاني من إعاقة دائمة بسبب طلقات رصاص مطاطي متفجر، أطلقها عليه جنود سعوديون أثناء القبض عليه.


وفي حديثه لمنظمة الكرامة، عبر السيد ناصر عبدالله الحديقي، البالغ من العمر 50 عاماً، عن سعادته بهذه اللحظة التي استعاد فيها حريته المفقودة منذ ثمان سنوات، غير أنه في ذات الوقت أكد حاجته إلى مساندة الحكومة اليمنية والمنظمات الحقوقية لاستعادة بقية حقوقه التي حُرمَ منها، والوقوف إلى جانبه في ما تبقى من فصول المأساة، إذ يعاني الآن من إعاقة دائمة، كما أن السلطات السعودية لم تمنحه أي تعويضات أو نفقات علاج، ولم تمنحه فرصة لاسترداد أمواله التي فقدها أثناء مدة الحبس.
وتعرض الحديقي لسلسلة من الانتهاكات والإخفاء القسري في السجون السعودية، قبل أن تتقدم أسرته ببلاغ إلى منظمة الكرامة، التي راسلت بشأنه الإجراءات الخاصة المعنية في الأمم المتحدة، في فاتح أغسطس/ آب 2008، تلتمس منها التدخل لدى السلطات السعودية من أجل وضع أسس قانونية لاحتجازه، أو إطلاق سراحه، وهو الأمر الذي أثار حفيظة السلطات السعودية، على ما يبدو، حين قررت إطلاق سراحه، لكن مع حرمانه من أي تعويض أو ردّ اعتبار على سنوات الاحتجاز التعسفي أو حتى التكفل بنفقات علاجه، بحسب إفادته.
وكانت سلطات الأمن اليمنية في مطار صنعاء الدولي، أوقفت السيد الحديقي لساعات، لدى وصوله مساء الجمعة 15 مارس/ آذار 2013، قبل أن تطلق سراحه، إثر بيان وزعته الكرامة في اليمن، طالبت فيه السلطات اليمنية بإخلاء سبيل الحديقي، طالما أنه ليس متهماً بارتكاب جريمة يعاقب عليها القانون، كما دعت السلطات اليمنية إلى الكفّ عن هذه التجاوزات والممارسات التي تمسّ كرامة المواطن اليمني وتتعارض مع حقوقه المكفولة بموجب القوانين اليمنية والاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما حثّت منظمتنا الحكومة اليمنية على إعادة النظر في سياساتها تجاه الرعايا اليمنيين الذين يتعرضون للاعتقال التعسفي خارج البلاد، وأثناء عودتهم.
وبالعودة إلى تفاصيل المأساة، أُلقي القبض على السيد ناصر عبدالله الحديقي، البالغ من العمر 50 سنة، بتأريخ 8 أبريل/ نيسان 2004، من قبل عناصر المباحث العامة، الذين استخدموا – حينها - أسلحتهم رغم أنه لم يُبْدِ أي مقاومة ولم يشكِّل أيَّ خطر عليهم، وفق ما أفاد به الشهود الحاضرون حينها في عين المكان.
واقتيد الحديقي إلى سجن مستشفى قوى الأمن في الرياض، لتلقي العلاج من إصاباته بأربع رصاصات أثناء القبض عليه، حيث أجريت له عمليات جراحية، لاستئصال الأعضاء التالفة من جسده، من بينها المرارة وأجزاء كبيرة من الكبد، كما أصيبت إحدى كليتيه، ما تسبب بضعف في وظائف الكلى، بحسب ما أخبره الأطباء، ناهيك عن مشاكل صحية أخرى لحقت به جراء سنوات السجن، بينها داء السُّكري.
قضى السيد الحديقي في سجن مستشفى قوى الأمن في الرياض 14 شهراً، خضع حينها للاستجواب، ثم نقل على إثره إلى الزنازين الانفرادية في سجن عليشة "المعهد" في الرياض، حيث أمضى فيها عشرة أشهر أخرى، لتصل مدة احتجازه حتى تلك اللحظة إلى سنتين، هي إجمالي المدة التي ظل فيها الحديقي رهن الإخفاء القسري، ممنوعاً من أي اتصال بالخارج، لم يسمح له طيلة هذه المدة بإبلاغ أهله عن مكانه أبدا ولم يعرفوا عنه شيئاً، الأمر الذي أثار قلق أسرته عن مصيره، وعزّز لديهم الشكوك باحتمال وفاته، خصوصاً بعد أن حاول أحد أشقائه السؤال عنه لدى إدارة المباحث العامة في جدة، لكنهم نفوا وجوده لديهم، بل أنكروا معرفتهم أحداً بهذا الاسم.
بعد عامين من الإخفاء القسري، بينها عشرة أشهر في الزنازين الانفرادية بسجن عليشة، نقل السيد الحديقي إلى العنبر الجماعي في ذات المكان، حيث سمح له حينها - لأول مرة- الاتصال بأسرته في اليمن، وأخبرهم أنه لا يزال على قيد الحياة وأنه في سجن عليشة.
ستة أشهر أخرى قضاها الحديقي في عنابر السجن الجماعي بسجن عليشة تضاف إلى مدة عشرة أشهر قبلها في الزنازين الانفرادية بالسجن نفسه، قبل أن ينقل على إثرها إلى سجن الحائر في الرياض، حيث أمضى ثمانية أشهر، نقل بعدها إلى الزنازين الانفرادية بسجن ذهبان في جدة لمدة أربعة أشهر، ومنها إلى العنبر الجماعي في نفس السجن لمدة سنة.
في سجن ذهبان قضى الحديقي عاماً وأربعة أشهر، قبل نقله إلى سجن الطرفية في القصيم، ليقضي فيه بقية المدة حتى تأريخ إطلاقه، مع تنقلات متقطعة بين سجن الطرفية وسجن المديرية في الرياض خلال جلسات محاكمته التي بدأت بعد سبع سنوات من تأريخ القبض عليه.
قدم السيد الحديقي أمام المحكمة الجزائية في الرياض، لأول مرة، بتأريخ 30 ديسمبر/ كانون أول 2011، لم يذهب قبلها إلى المحكمة حتى للتصديق على القضية كما جرت عليه العادة في المحاكم السعودية. ووجهت للحديقي تهمة الانتماء إلى ما يسمى بـ"الفئة الضالة"، غير أن هيئة الادعاء لم تستطع تقديم أدلة إثبات لإدانة الحديقي بتلك التهمة، الأمر الذي دفع القاضي إلى التعاطف بادئ الأمر مع الضحية والحكم ببراءته، مطالباً بمعاقبة الجندي الذي أطلق عليه الرصاص أثناء القبض، وتحميل الدولة تكاليف علاجه، غير أن الأمور سارت على غير ما كان متوقعاً، فقد قرر القاضي في ما بعد، تحت ضغط السلطات الأمنية كما يبدو، حبسه ثمان سنوات، في محاولة لغسيل جريمة الاحتجاز التعسفي الممتدة ثمان سنوات وشهرين.
في الجلسة السابعة التي نطق فيها القاضي بالحكم، أفصح الحديقي عن اعتراضه على هذا الحكم، وتقدم بطلب الاستئناف في المدة المسموح بها، غير أنه لم يتلق أي ردّ بشأنها، حتى تأريخ إطلاقه وترحيله بالقوة إلى اليمن.
يقول الحديقي في حديثه للكرامة، إنه قبل الجلسة الأخيرة جاءه مندوب من طرف ولي العهد حينها وزير الداخلية السابق الأمير نايف بن عبدالعزيز، وأخبره بأنه مبعوث من طرف الأمير نفسه للسؤال عن طلباته، فردّ عليه بطلب الإفراج عنه، وعلاجه وتعويضه عن سنوات الحجز التعسفي، غير انه لم يتلق أي ردّ بشأن تلك الطلبات، بل على العكس من ذلك جرى إبعاده قسرياً وبشكل مفاجئ ولم يسمح له حتى بأخذ متعلقاته الشخصية وحقوقه المالية التي فقدها خلال مدة الحبس.
إن الكرامة وهي تعرض لقصة الحديقي، تود التذكير بأن مئات اليمنيين، على الأقل، المقيمين في المملكة العربية السعودية، يتعرضون لأشكال مختلفة من الاضطهاد، تشمل الترحيل القسري، والاحتجاز التعسفي الذي يمتد لسنوات طويلة، يتعرضون خلاله - في الغالب- لسوء المعاملة و / أو التعذيب، الذي يؤدي في بعض الحالات إلى الوفاة تحت التعذيب.

آخر تعديل على الخميس, 21 آذار/مارس 2013 16:58