11 آذار/مارس 2008

الجزائر: مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يبحث وضعية حقوق الإنسان

سيجتمع مجلس حقوق الإنسان يوم 15 نيسان/ أبريل 2008 لإجراء مراجعة دورية شاملة لتقارير الجزائر، وقد تقدمت الكرامة في هذا الإطار بمساهمة يوم 20 تشرين الثاني / نوفمبر 2007.

الجزائر

مساهمة في إطار المراجعة الدورية الشاملة

الكرامة لحقوق الإنسان، 20 تشرين الثاني/ نوفمبر

ملخص

صرحت الجزائر، البلد العضو في مجلس حقوق الإنسان عند إنشاءه، لمدة سنة واحدة، في رسالة ترشيحها لعضوية هذا المجلس أنها "مقتنعة بان بناء دولة القانون وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان يشكلان عنصران أساسيان لاستقرارها وازدهارها. "

 صحيح انه بعد عمليات القمع الدامية التي اقترفها الجيش لإخماد انتفاضة الشباب في تشرين الأول / أكتوبر 1988 والتي أسفرت عن وفاة 500 شخص على الأقل، أجرت الجزائر انفتاحا سياسيا حقيقيا، عرف تكريس الحريات الاجتماع وحرية التعبير استنادا إلى دستور جديد. وفي هذه الفترة بالذات،  صادقت الجزائر على المواثيق الدولية الرئيسية بما فيها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والبروتوكول الاختياري (الأول) ، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية واتفاقيه مناهضة التعذيب.

غير أن هذه "الفسحة الديمقراطية" لم تعمر طويلا بذريعة  فوز حزب يعتبره النظام الحاكم على أنه مناهض للديمقراطية ( الجبهة الإسلامية للإنقاذ) بحيث تعرضت أول انتخابات برلمانيه حرة وشفافة شاهدتها البلاد منذ الاستقلال، إلى الإجهاض، لتستولي  قيادة الجيش، بحكم أمر الواقع، على مقاليد الحكم في البلاد في يوم  11 كانون الثاني / يناير  1992. وأرغِم رئيس الدولة على تقديم استقالته، وتم حل مجلس الشعب ( البرلمان) وعلق الدستور. وفي يوم 9 شباط / فبراير 1992 فرضت حالة الطوارئ التي لا تزال سارية المفعول بعد مضي ستة عشر عاما منذ ذلك الحين. وفي أيلول / سبتمبر 1992 صدر مرسوم لمكافحة الإرهاب يقوم على توسيع نطاق الأفعال التي تكون من اختصاصه. وعلى الرغم من أن هذا المرسوم تم إلغاءه، فقد أدخلت الأحكام العقابية الرئيسية التي كان يحتوي عليها في قانون العقوبات الجزائري، منها تمديد مدة التوقيف تحت الحجز التحفظي إلى 12 يوما ، ومضاعفة العقوبات بالنسبة للأفعال التي تصنف ضمن الأفعال الإرهابية، وتخفيض سن المسؤولية الجنائية إلى 16 سنة، إلى غير ذلك من الأحكام.

وطيلة ثلاث سنوات، ظلت شؤون البلاد تدار في غياب تام للمؤسسات الدستورية، وتطلب الأمر الانتظار إلى غاية عام 1996، أي مع إصدار دستور جديد، لإرساء مؤسسات شبه ديمقراطية، غير أنها تخضع  لرقابة وثيقة وكاملة من قبل القيادة العسكرية، خاصة مديرية المصالح السرية ومديرية الاستعلامات والأمن، ويتم ذلك من خلال عملية أطلق عليها اسم " التأهيل" تقوم هذه المصالح عن طريقها بالتحكم في الحياة السياسية والاجتماعية في البلاد. وأي ترقية أو تعيين في منصب المسؤولية في الإدارة أو الدولة يجب أن يحظى بتأييد مصلحة  مديرية الاستعلامات والأمن، فضلا على أنه بوسع هذه المصلحة أيضا الاعتراض على أي ترشيح لتولي أي منصب يتم عبر الانتخاب، أيا كان هذا المنصب، حتى لو كان القرار الرسمي القاضي بالرفض اتخذته وزارة الداخلية. وفي ظل هذه الظروف السائدة، حُرِم عدد كبير من المواطنين، المنتمين إلى أحزاب سياسية مختلفة، سواء كانوا من المعارضة أو حتى الموالين  "للائتلاف الحكومي"  - المشكل من الأحزاب الثلاثة التي تساند بوتفليقة، أي جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وحمس - هم أيضا من حقهم في التقدم بالترشيح خلال الانتخابات الأخيرة المحلية والتشريعية.

كما أن جميع المواطنين الذين فازوا أو ترشحوا في الانتخابات المحلية لسنة 1990 أو التشريعية في سنة 1991 على قوائم الجبهة الإسلامية للإنقاذ، أو لمجرد الاشتباه في نشاطهم أو تعاطفهم مع هذا الحزب، تعرضوا للإقصاء بصورة آلية، رغم أن ترشحهم كان على قوائم أحزاب معتمدة أخرى، وبُرر إقصائهم هذا بحجة انتماءهم السابق للجبهة الإسلامية للإنقاذ، وحرموا بذلك وبصفة نهائية من كل مشاركة في الحياة السياسية لبلادهم.

وتحت غطاء مكافحة الإرهاب، ارتكبت مختلف قوى الأمن والمليشيات التي أنشأها الجيش منذ عام 1994، انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان. آلاف الأشخاص احتجزوا إداريا في معسكرات الاعتقال في جنوب البلاد، بعضهم لفترة تقارب 4 سنوات (رسميا أغلقت هذه المعسكرات في أواخر عام 1995)، كما تعرض عشرات الآلاف من الأشخاص للتوقيف والاعتقال التعسفيين، وجرت ممارسة التعذيب على نطاق واسع وتعرض عشرات الآلاف من الناس إما إلى الإعدام خارج إطار القانون او للاختفاء القسري. 

ومن الضروري الإشارة إلى هذا الماضي القريب، ذلك لأن الأجهزة القمعية والقضائية المنشأة عقب فرض حالة الطوارئ لمحاربة المعارضة، سواء كانت سلمية أو مسلحة، لا تزال قائمة إلى يومنا هذا، ورغم تعاقب عدد كبير من الرؤساء والعديد من الحكومات منذ عام 1992 على رأس الدولة، إلا أن المسؤولين الرئيسيين في جهاز مديرية الاستعلامات والأمن لا يزالون في مناصبهم.

ورغم أن عدد الضحايا قد انخفض بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، الأمر الذي تعزوه السلطات إلى مكافحة الإرهاب، فلا تزال ممارسة التوقيف التعسفي والاعتقال السري والتعذيب تجري على نطاق واسع.

ومع  تولي عبد العزيز بوتفليقة رئاسة الدولة، منذ أيار / أبريل 1999،  أعلن النظام تخطيه مرحلة جديدة: مرحلة الوئام المدني، والسلم والمصالحة الوطنية. لكن في واقع الأمر ما تم هو أن أفراد الجماعات المسلحة الذين استسلموا للسلطة، وجزاءا على تعاونهم مع السلطات، استفادوا من الإلغاء التام للمتابعات القضائية بغض النظر عن طبيعة وحجم  ما ارتكبوه من أفعال، فيما استعاد عناصر قوى الأمن من جهتهم من إجراء العفو، بحيث أصبح غير مسموحا به قانونيا التقدم بأي شكوى ضدهم.  ورغم اضطرار الدولة الجزائرية أخيرا إلى الاعتراف بحجم ظاهرة الاختفاء القسري، إلا أنها تدعي تسوية هذه المسألة وبشكل نهائي عن طريق التعويضات.  وأخيرا ، فإن توجيه أي انتقاد للدولة، سواء جرى ذلك من داخل البلد أو من خارجه، يعرض صاحبه للإدانة الجنائية.

1. حالة الطوارئ

استنادا إلى الدستور الجزائري، لا يمكن الإعلان عن حلة الطوارئ إلا لفترة محددة، ولا يجوز تمديدها إلا بعد موافقة البرلمان. وبعد الإعلان عن حالة الطوارئ في 09 شباط / فبراير 1992، تم تمديدها سنة واحدة بعد ذلك لأجل غير مسمى. وتؤكد السلطات الجزائرية في هذا الصدد أن حالة الطوارئ "لا تؤثر في مواصلة العملية الديمقراطية، وكذلك سيستمر العمل على ضمان ممارسة الحقوق والحريات الأساسية." (1) غير أن البروفيسور إسعد، وهو محام معروف في الجزائر، وقد سبق أن كلفه رئيس الجمهورية بترؤس لجنة التحقيق في أحداث منطقة القبائل في عام 2001، سجل أن الترتيبات التي تم اعتمادها تخوّل السلطات العسكرية صلاحيات مذهلة بحيث تشكل سبيلا لانزلاق الحالة الطوارئ إلى حالة حصار حقيقية.

إن التضارب الذي يميز هذه الترسانة القانونية التي تضاعف من أهمية صلاحيات الجيش تؤدي إلى فرض قيود خطيرة على الحقوق المدنية والسياسية، خاصة الحقوق التي يكفلها الميثاق الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية. وتسجل لجنة حقوق الإنسان في بلاغاتها الأخيرة أن ترتيبات حالة الطوارئ " تتجلى دائما(...) في تفويض مهام الشرطة القضائية إلى مديرية الاستعلامات والأمن". ويتجسد ذلك بشكل ملموس جدا في قرار الحكومة في حزيران / يونيو 2001 "تعليق، حتى إشعار آخر، تنظيم مسيرات في الجزائر العاصمة". ولا يزال هذا الحظر قائما إلى يومنا هذا.

2. بعض عناصر الترسانة القانونية الصادرة لأغراض قمعية

تحتوي الترسانة القانونية المعمول بها حاليا، على جملة أمور، منها ما يلي:

أ) يسمح التعريف الذي يقدمه قانون العقوبات الجزائري على الأفعال الموصوفة بأنها أفعال تخريبية أو إرهابيه، والذي استعين به كما ورد في المرسوم المتعلق بمكافحة التخريب والإرهاب في عام 1992 في المادتين 87 و 87 مكرر من قانون العقوبات، بتفسيرات واسعة جدا ويقيد الحقوق والحريات الأساسية إلى حد كبير.

ب) يمكن أن يتعرض الشخص المشتبه في ارتباطه بفعل إرهابي إلى حجز تحفظي لمدة 12 يوما، في السر ودون أي اتصال لا مع أسرته ولا محام ولا طبيب. ولا ُيعترف له بحق عدم الإجابة أثناء التوقيف.

ج) وقد تم مضاعفة العقوبات الموجهة لمرتكبي الأفعال الموصوفة بأنها إرهابية، مقارنة مع العقوبات التي ينص عليها قانون العقوبات الأصلي.

د) تم تخفيض سن المسؤولية الجنائية إلى 16 سنة وهو ما يشكل تباينا ملحوظا مقارنة مع المعايير الدولية.

ذ) لم تتخذ أي إجراءات فعلية لمنع المحاكم منعا واضحا من استخدام الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب كأدلة إدانة خلال مقاضاة المتهمين.

3. التعذيب

الأشخاص المشتبه في قيامهم بأنشطة إرهابية، يلقى عليهم القبض في معظم الحالات على يد أفراد مديرية الاستعلامات والأمن ويحتجزون في معتقلات سرية لفترات تتراوح بين بضعة أيام وبضعة أشهر، أما بالنسبة للبعض منهم، كما هو الحال بالنسبة لمحمد فاطمية، ومحمد رحموني، اللذان ألقي القبض عليهما يوما 6 حزيران/يونيو ويوم 18 تموز/ يوليو 2007 فقد اختفت آثارهما ولم تظهر عنهما أي معلومات إلى يومنا هذا.

تستمر ممارسات تعذيب الأشخاص الموقوفين بصورة منهجية خلال الفترة الأولى من اعتقالهم السري، هذا النوع من الاعتقال يشكل هو في حد ذاته شكلا من أشكال التعذيب. أما أساليب التعذيب الأكثر استخداما إلى جانب توجيه الضربات العشوائية إلى المتهمين، فتتمثل في استعمال الخرقة المبللة التي تدخل في فم المتهم قصد إشعاره بحالة الاختناق (أو ما يطلق عليه اسم "الشيفون")، والصدمات الكهربائية على جميع أجزاء الجسم والتعليق؛ محمد بن يمينة، مواطن جزائري يقيم في فرنسا، ألقي عليه القبض بناء على طلب من السلطات الفرنسية، تم ذلك أثناء قيامه بزيارة للجزائر،. وإبان توقيفه في أيلول/ سبتمبر 2005، ظل معتقلا سرا لمدة تتجاوز خمسة أشهر، تعرض خلالها للتعذيب، وكان فريق العمل المعني بالاعتقال التعسفي سجل في تشرين الثاني/ نوفمبر 2006 أن هذا الاعتقال ينطبق عليه تعريف الاعتقال التعسفي. أما منير حموش، فقد ألقي عليه القبض يوم 23 كانون الأول/ ديسمبر 2006، وظل معتقلا في السر إلى أن توفي تحت التعذيب، ولم تتمكن عائلته حتى الآن من الحصول على تقرير التشريح الذي تم إجراءه حسب ما أعلنته السلطات.

وُتسَجَل الاعترافات المنتزعة تحت وطأة التعذيب في محاضر يجبر أصحابها على توقيعها من دون أن يتمكنوا من قراءتها. وفي كثير من الأحيان، يضطر المتهمون، في نهاية احتجازهم السري على توقيع شهادة يعترفون من خلالها أنهم عوملوا معاملة حسنة،  وقليلون جدا  من بين الضحايا هم من يجرؤون على التصريح بما تعرضوا له من التعذيب، وذلك حتى أمام قاضي التحقيق يتجلى من خلال الممارسات القضائية المعمول بها أن المحاكم تأخذ في الحسبان على نطاق واسع محاضر التحقيقات الأولية التي وضعتها الأجهزة الأمنية، على الرغم من تصريح المتهمين بأنهم تعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة. كما أن فترة الاعتقال السري الطويلة تساهم من جهتها في محو كل آثر للتعذيب وأعمال العنف من على أجساد المعتقلين.

4. الاعتقال التعسفي

أ) فترة الحجز التحفظي كثيرا ما تتجاوز الـ 12 يوما التي ينص عليها القانون ويمكن أن تستمر عدة أشهر دون سبيل الوصول إلى سلطة قضائية ودون إمكانية الاتصال بالأسرة او بمحام.

ب) ُيحتفظ بأشخاص في معتقلات سرية بعد إعلان القبض عليهم منذ عدة سنوات، ثم يحكم عليهم غيابيا دون المثول أمام هيئة قضائية.

ج) غالبا ما يتجاوز الحجز الاحتياطي الحد الأقصى المحدد بـ16 شهرا (20 شهرا عندما يتعلق الأمر بجرائم تصنف تخريبية)، ودون عرض المتهم على المحكمة للبث بشأن قضيته، وهكذا، قد يبقى المعتقلون محتجزين لسنوات عديدة في انتظار محاكمتهم.

مالك مجنون، الذي اختطف في مدينة تيزي وزو في  28 أيلول / سبتمبر 1999 على يد أفراد مديرية الاستعلامات والأمن، وتعرض للتعذيب والاعتقال السري في مركز عنتر ببن عكنون لأكثر من ثمانية أشهر، لم يتم حتى الآن محاكمة. وخلصت إجراءات التحقيق في الدعوى إلى إصدار حكم الإحالة على محكمة الجنايات لتيزي وزو في 10 كانون الأول/ ديسمبر  2000 وطرحت قضيته أمام المحكمة للبث فيها في 5 أيار / مايو 2001. ومنذ ذلك الحين يتم تأجيلها إلى أجل غير مسمى. وعلى الرغم من النتائج التي توصلت إليها اللجنة، التي سجلت فيها انتهاكات الدولة الجزائرية للمادة 7 ، الفقرات 1 و 2 و 3 من المادة 9 والفقرات 3 (أ) و (ج) من المادة 14 من الميثاق، فإن مالك مجنون لم يحاكم حتى الآن بعد ما يقرب من 8 سنوات من الاعتقال، منها 8 أشهر سرا في مركز تابع لمديرية الاستعلامات والأمن.

5. الاختفاء القسري

من المعروف أن الأجهزة الأمنية الجزائرية، بكافة مكوناتها، من عناصر مديرية الاستعلامات والأمن وأفراد الجيش، وقوات الدرك والشرطة والقوات شبه العسكرية، مارست طيلة ما يقرب عقد من الزمان، على نطاق هائل وعلى نحو منهجي، الاعتقال التعسفي الذي ُيتبَع في غالب الأحيان باختفاء المدنيين، الأمر الذي خلف 7000 ضحية استنادا إلى التقديرات الأكثر اعتدالا و20000 ضحية وفقا لبعض المصادر الأخرى. والملفت للنظر أن الأمر يتعلق بممارسة شائعة يتم تنسيقها على المستوى الوطني، وتجري وفقا لترتيب معد حسب الأصول، مميز ومعروف. وقد قامت منظمتنا وحدها بتقديم ما يناهز ألف حالة إلى فريق العمل التابع للأمم المتحدة والمعني بالاحتجاز التعسفي: ولم تقدم السلطات الجزائرية إلى غاية الساعة توضيحات بشأن أي حالة من الحالات الواردة في التقرير.

وتشكل حالات الاختفاء القسري التي تقع في الجزائر على نطاق واسع ومنهجي، وفقا للتعريف الوارد في القانون الجنائي الدولي، جريمة ضد الإنسانية (المادة 7 من نظام روما الأساسي والمادة 5 من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري).

وكان "السير نايجل رودلي"، الخبير في لجنة حقوق الإنسان، قد أثار غضب النظام الجزائري خلال دراسة التقرير الدوري الثالث للجزائر في اجتماع 23 تشرين الأول / أكتوبر 2007، عندما وصف – وهو محق في ذلك - هذه الممارسة التي تتم في الجزائر، بأنها جرائم ضد الإنسانية.

وبعد عدة سنوات من الإنكار المنظم ، اضطرت الدولة الجزائرية أخيرا الاعتراف بحقيقة وجود الظاهرة، وذلك من خلال اعترافها الرسمي بـ 6146 حالة اختفاء نسبتها لأعوان النظام، غير أنها بررت مسؤولية هذه الجرائم إلى "أخطاء وانزلاقات فردية". كما أن الدولة الجزائرية دأبت على رفض التحقيق في هذه الجرائم، ومتابعة ومعاقبة مرتكبيها، خاصة  من خلال تبنيها شعار "الدولة مسؤولة لكنها غير مذنبة".

وفي إطار الإجراءات القانونية المنشأة بموجب، ما أطلق عليه اسم مرسوم المصالحة الوطنية، تدعي الدولة الجزائرية أنها وضعت حدا لهذه المسألة المتعلقة بمسؤولية مرتكبي الجرائم، خاصة ما يتصل منها بحالات الاختفاء القسري، وذلك من خلال سن قانون العفو (المادة 45 من المرسوم). أما أسر الضحايا، فيتم تشجيعهم على المطالبة بالتعويض، ولكي يتمكنوا من الاستفادة منه، يتعين عليهم القيام بإجراءات إداريه وقانونية مهينة، خاصة عن طارق إجبارهم على الإدلاء بشهادة مفادها أن أبناءهم  قضوا في صفوف الجماعات الإرهابية.

و تواصل جمعيات أسر المفقودين، التي رفضت السلطات الرسمية منحها الاعتماد الإداري، مطالبتها السلطة بحقها في معرفة مصير أقاربها، على الرغم من استمرار عمليات القمع التي تتعرض لها بانتظام.

والجدير بالذكر أن حالات الاختفاء القسري لم تختفي تماما مع مجي الرئيس بوتفليقة إلى سدة الحكم، ورغم أنها أصبحت نادرة إلا أنه لا تزال تسجل بعض الحالات ( انظر إلى الحالتين الواردتين أعلاه، الفصل 3). وآخر حالة اختفاء قسري سجلتها المنظمات غير الحكومية تتعلق بحالة كمال عكاش، الذي اختطف يوم 11 أيلول / سبتمبر 2007 على حوالي الساعة الثانية ظهرا في الجزائر العاصمة على يد مدنيين قدموا أنفسهم على أنهم أفراد من مديرية الاستعلامات والأمن، ومنذ ذلك الحين لم تتوصل أسرته بأي معلومات عنه.

6. المجازر وعمليات الإعدام خارج إطار القانون

شهدت أوائل تسعينات القرن الماضي عمليات إعدام خارج القضاء، تمت بشكل يومي في الأحياء المعروفة بمساندتها للجبهة الإسلامية للإنقاذ. وأسفرت عمليات المداهمات وحصار الأحياء من قبل الجنود والدرك والقوات الخاصة، بإلقاء القبض على عشرات الأشخاص، وتم اغتيال عديد كبير منهم وألقيت جثثهم على قارعة الطريق.

وابتداء من عام 1996، برزت ظاهرة المجازر على نطاق واسع، إذ بلغت ذروتها في الفترة 1997-1998 مع وقوع مجازر الرايس، وبن طلحة، وسيدي يوسف وغليزان وغيرها من الأماكن التي شهدت عمليات قتل واسعة، تمت ليلا وطالت عشرات بل مئات الأشخاص، قضوا في غالب الأحيان ذبحا.

واستمرت الحكومة الجزائرية في رفضها إجراء التحقيق بشأن مرتكبي هذه المجازر والمخططين لها، بذريعة أن لا طائل من ذلك طالما أنهم معروفون باعتبارهم أعضاء في الجماعات الإرهابية، في حين أن المحاكمات النادرة التي جرت لمرتكبين مزعومين لهذه لمجازر كانت غير عادلة ومتعجلة. وحتى اليوم ، لم تحدد المسؤوليات بشكل واضح، ولا تزال ثمة تساؤلات ملحة تثار حول دور مديرية الاستعلامات والأمن والجيش في هذه المجازر.

وكانت لجنة حقوق الإنسان، في تقريرها النهائي، قد جددت طلبها القاضي ب "اتخاذ جميع التدابير المناسبة لضمان أن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي عرضت عليها، مثل القتل الجماعي ( المجازر) والتعذيب والاغتصاب وحالات الاختفاء، يجري التحقيق فيها، مع ضرورة متابعة  قضائيا المسؤولين عن هذه الانتهاكات، بما في ذلك أعوان الدولة وأعضاء الجماعات المسلحة، ومساءلتهم عن أفعالهم تلك".

مرسوم تطبيق ميثاق السلم والمصالحة الوطنية

بذريعة تجاوز " المأساة الوطنية" التي شهدتها الجزائر في التسعينات، تم اعتماد مجموعة من التدابير، أطلق عليها اسم المصالحة. غير أن هذا المرسوم الصادر في شهر شباط / فبراير 2006 ينتهك المبادئ الأساسية التي تعهدت الدولة الجزائرية باحترامها منها ما يلي: 
أ) يستفيد أعضاء الجماعات المسلحة الذين يسلمون أنفسهم إلى السلطات، من إلغاء الملاحقة القضائية او من تخفيض في العقوبة (الفصل 2) إذا لم يرتكبوا مجازر، أو عمليات تفجير أو الاغتصاب. وفي هذه الحالة، يمكن بالنسبة للذين سبق أن أدانتهم المحكمة الاستفادة من العفو، غير أن تطبيق هذه التدابير لا يتم بطريقة شفافة وغالبا ما يكون تمييزي.

ب) لا يمكن مقاضاة أعضاء الأجهزة الأمنية الذين ارتكبوا انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان (المادة 45). وتعتبر جميع الشكاوى بحق هؤلاء لاغية ولا يتم النظر فيها. وبذلك يرقى هذا الإجراء إلى مرتبة العفو مما يتعارض مع الحق الأساسي في سبل الانتصاف الفعلي وفقا للنصوص الدولية.

ج) وأخيرا، فأي تصريح، سواء كان مكتوبا أو على أي نحو آخر يمكن أن يفسر بأنه يضر بصورة الجزائر، يعرض صاحبه لعقوبة سجن تتراوح مدتها بين ثلاث وخمس سنوات (المادة 46)، وهذا الحكم يشكل وفقا للجنة حقوق الإنسان، انتهاكا لحق الأشخاص في التعبير عن أرائهم.

الخلاصة

وعلى عكس ما تدعيه الحكومة الجزائرية، فإن مختلف التدابير التي نص عليها القانون المعروف بقانون "الوئام المدني" أو "الميثاق من اجل السلم والمصالحة الوطنية"، لم تساعد البتة على

تجاوز الشعور بالظلم الناجم عن حالة الإفلات من العقاب. وعلاوة على ذلك، ما زالت تُسجل انتهاكات خطيرة مثل حالات الاختفاء القسري والحجز في أماكن سرية في عزلة تامة عن العالم الخارجي وحالات التعذيب. وإلى يومنا هذا، ترفض السلطات الاعتراف، من الناحية الإدارية، بغالبية الجمعيات المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، ونتيجة لذلك، فلا تولى هذه السلطات أدنى اهتمام لعمل الجمعيات ولمطالبها. وفي إطار بحث التقرير الشامل، يجري العمال على تشجيع الدول على "إجراء مشاورات واسعة النطاق على الصعيد الوطني مع كل الأطراف المعنية". وعلى حد علمنا، لم يجري التشاور مع أي منظمة مستقلة تعني بالدفاع عن حقوق الإنسان ضمن هذا الإطار.


(1) التقرير الدوري الثالث المقدم إلى لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في 22 أيلول / سبتمبر، 2006. نشرت ( تم الإعلان عن) الاستنتاجات الختامية للجنة في 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2007.

آخر تعديل على الثلاثاء, 25 آذار/مارس 2008 12:17

العراق - آليات حقوق الإنسان

العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR)

المصادقة: 25 يناير 1971

البروتوكول الاختياري الأول (OPCCPR1) الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بشأن تقديم شكاوي من قبل الأفراد

المصادقة: لا
التقرير الحكومي: 11 أكتوبر 2013، كان مرتقبا في 4 أبريل 2000 (التقرير الخامس)
الملاحظات الختامية: 19 نوفمبر 1997
قدمت الكرامة تقرير متابعة في 5 نوفمبر 2011 (PDF)

اتفاقية مناهضة التعذيب (CAT)

المصادقة: 7 يوليو 2011
البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب (OPCAT): لا
المادة 20 (تحقيق سرى): نعم
المادة 22 شكاوى فردية): لا
التقرير الحكومي مرتقب منذ: 30 يونيو 2014، كان منتظرا مبدئيا في 6 أغسطس 2012 (التقرير الأول)
الملاحظات الختامية: لا

الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري (CED)

التوقيع: 23 نوفمبر 2010
المادة 33 (إجراءات التحقيقات): نعم
تقرير الدولة: 26 يونيو 2014، كان مبدئيا منتظرا في 23 يناير 2013 (الأول)
الملاحظات الختامية: لا

المراجعة الدورية الشاملة (UPR)

الاستعراض المقبل: 2014 (الدورة الثانية)
الاستعراض الأخير: فبراير 2010 (الدورة الأولى)

المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان (NHRI)

المفوضية العليا المستقلة لحقوق الانسان (IHCHR)