17 أيلول/سبتمبر 2014

الجزائر: إدانة من قبل لجنة حقوق الإنسان في قضية الاختفاء القسري للطاهر وبشير بورفيس...بعد عقدين من المعاناة

السيدة بودهان أمام مقر الأمم المتحدة السيدة بودهان أمام مقر الأمم المتحدة

أصدرت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان أثناء دورتها 11 التي عقدت خلال شهر يوليو الماضي، قرارها في قضية الطاهر بورفيس وابنه بشير، الذين انقطعت أخبارهما منذ أن اعتقلتهما قوات الجيش والدرك الجزائرية سنة 1996.

رفعت الكرامة في 19 نوفمبر 2009 شكوى إلى لجنة حقوق الإنسان  باسم السيدة زهرة بودهان بشأن اختطاف واختفاء زوجها وابنها. لاتختلف قصة عائلة بورفيس عن مآسي آلالاف العائلات الجزائرية ضحايا الانتهاكات الجسيمة، التي ارتكبتها مصالح الأمن الجزائرية إثر الانقلاب العسكري سنة 1992 والتي امتدت لسنوات في إفلات تام من العقاب لمرتكبيها.

داهم جنود ليلة 22 إلى 23 من أغسطس 1996 بيت السيد الطاهر بورفيس في قرية الأمير عبد القادر بولايةجيجل، ، وألقت القبض على رب الأسرة المكونة من زوجة وعشرة أطفال . كان يعمل موظفا بوزارة الشؤون الدينية ويدرس القرآن في نفس الآن. وكالعادة أخبروا زوجته أن الأمر يتعلق بتحقيق روتيني وأنه سيفرج عنه في الغد.

عبر الطاهر لأقاربه قبل أيام من اختطافه  عن مخاوفه من أن يتعرض للاغتيال أو الاختطاف في إطار الحملة الانتقامية الواسعة التي يشنها الجيش الجزائري ضد ناشطي وأنصار الجبهة الإسلامية للإنقاذ في المنطقة. وكان قد جرى توقيفه من عمله قبل أسابيع من قبل إدارة الشؤون الدينة بولاية جيجل وتلقى تهديدات بالقتل من قبل مصالح الأمن بالمنطقة.

اعتقل العديد من سكان المنطقة تلك الليلة خلال حملة تمشيطية قام بها الجيش، استهدفت الأسر المشتبه في تعاطفها مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وكالعادة كانت قوات الجيش مرفوقة بمدني يغطي رأسه بقناع مهمته تحديد المنازل. كانت العملية تتم تحت إمرة صالح لباح الملقب "بلبح" قائد القطاع العسكري العملياتي لمنطقة جيجل.

أجبر جميع من اعتقلوا ليلتها على ركوب حافلة استولى عليها الجيش لهذا الغرض. وصرح سائقها في اليوم الموالي أنه أجبر تحت تهديد السلاح على نقل الضحايا إلى مقر القطاع العسكري العملياتي بجيجل.

لم يعد زوجها في اليوم التالي، فتوجهت السيدة زهرة بودهان إلى ثكنة جيجل لمعرفة أسباب اعتقال زوجها. وهناك أخبرت بأنه لم يعتقل أبدا وأنه غير موجود بالثكنة وأن الجيش لم يقبض على أحد بالقرية الليلة الماضية.
قصدت السيدة زهرة بعد بضعة أسابيع، بعض جيرانها الذين اعتقلوا في القرية نفس الليلة وكانوا من القلائل الذين أفرج عنهم، فأكدوا لها أن الطاهر بورفيس كان معهم في نفس الزنزانة بالقطاع العسكري العملياتي بجيجل.

بعد مرور أربعة أشهر، واجهت الأسر مصابا آخر، القي القبض على بشير بورفيس الإبن البكر الذي كان بدوره أبا لسبعة أطفال، للاشتباه في تعاطفه مع الجبهة الإسلامية للإنقاد. اعتقل في مكان سري للمرة الأولى من قبل الجيش سنة 1994، ولبث بمقر القطاع العسكري العملياتي بجيجل مدة شهرين تعرض خلالها للتعذيب قبل الإفراج عنه دون إجراءات قانونية.

استدعي بشير في 22 ديسمبر 1996 من قبل المساعد الأول السعيد قحام بمقر الدرك الوطني بقرية الأمير عبد القادر. توجه إلى هناك على الساعة الثانية ظهرا رفقة زوجته وابنهما عثمان الذي كان عمره حينها أربعة أعوام، فلبثت في انتظاره بالخارج إلى أن غربت الشمس. وأمام رفض الزوجة مغادرة المكان، سبها الدركيون وهددوها ونزعوا منها ابنها الذي لم تعثر عليه إلا آخر الليل وهو في حالة صدمة.
عادت في اليوم التالي رفقة أم زوجها إلى مقر الدرك، وهناك تعرضتا لوابل من السب والشتم والإهانة على أيدي الدركيين الذين لم يترددوا في إنكار اعتقالهم للبشير بورفيس.

ترددت المرأتان يوميا في الأسابيع الموالية على الثكنة العسكرية ومقر الدرك، وكل ما كانتا تلقيانه هو السب والشتم والإهانة والتهديد. بعد أربعة أشهر، سلم الدركيون لزوجة بشير دفتر الحالة المدنية الذي كان في حوزته، وأخبروها أنه نقل إلى الثكنة العسكرية بجيجل.

توجهت الأم والزوجة إلى الثكنة العسكرية، وهناك أخبرهما ضباط إدارة الاستخبارات والأمن أن بشير ليس معتقلا بمقرهم، وكالوا لهما كالعادة السب والإهانة والتهديد باختطاف أفراد آخرين من الأسرة إذا استمرتا في البحث. وهو ما حدث بالفعل، بعد بضعة أيام اختطف سليمان ابن آخر للسيد زهرة، وتعرض للتعذيب طيلة خمسة عشر يوما قبل أن يفرج عنه. وكان ذاك سببا لأن توقف الأم والزوجة رحلة بحثهما المضنية عن الضحيتين خوفا منهما على بقية أفراد العائلة.

بعد سنوات استأنف الدكتور موسى بورفيس، الابن والأخ الأصغر للضحيتين، كفاح أمه من أجل الحقيقة والعدالة. كان يحس منذ طفولته بمعاناة آلاف أسر الضحايا ويحمل همهم إضافة إلى مأساته الشخصية. فأسس سنة 2009 مع ناشطين آخرين وأبناء ضحايا الاختفاءات بمنطقة جيجل جمعية مشعل لأبناء المختطفين. رفعت الكرامة إلى الآليات الأممية المئات من حالات الاختفاء بهذه المنطقة التي وثقها أعضاء هذه الجمعية. استأنف موسى دراسته العليا بعد حصوله على الدكتوراه في الطب بالتخصص في الأنثروبولوجيا العدلية بهدف المساهمة يوما ما في تحديد هوية آلاف ضحايا العشرية السوداء.

بعد أن استلم بوتقليقة الحكم وأصدر ميثاق السلم والمصالحة الوطنية المزعوم، أصبح موسى يرافق أمه في كل مساعيها لدى المصالح الإدارية، لكنه اصطدم بالصمت والإنكار من قبل السلطات، وتأكد أن لا شئ تغير بالنسبة لعائلات الضحايا، وأن الهدف هو ضمان الإفلات من العقاب للمتورطين في الجرائم المرتكبة خلال النزاع.

كانت السلطات تنفي دائما لجوءها للاختفاء القسري لغاية 1998. إلا أنها أقرت انطلاقا من 2005 بمسؤوليتها النسبية عن آلاف الاختفاءات التي طالت مجموع البلاد، دون الاعتراف بتورطها الكامل في هذه الجريمة.

بالفعل ورغم هذا الاعتراف الضمني، ووعودها الغامضة لم تفتح السلطات أي تحقيق جدي في الاختفاءات. واندثر بصيص الأمل الذي أثاره إنشاء آلية خاصة بشأن الاختفاءات، تحت إدارة فاروق قسنطيني، رئيس رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان، بعد أن تبين أن هدف هذا الأخير الوحيد هو ربح الوقت، وتشويه الحقيقة والمساهمة في دفن هذا الملف بصفة نهائية.

أكثر من ذلك صرح القسنطيني أنه "لايمكننا محاكمة موظفي الدولة المسؤولين عن الاختفاءات، لأنه من الصعب تحديد هوياتهم"، رغم أن المسؤولين عن الانتهاكات كما هو الحال في قضية الطاهر وبشير بورفيس، معروفون ليس فقط من قبل العائلات بل من قبل الساكنة المحلية كلها نظرا لأنهم كانوا يمارسون جرائمهم جهارا وأمام الملأ.

و من الصعب أيضا الأخذ بتصريح السلطات للجنة حقوق الإنسان وتصديق قولها "أن الدولة كانت غائبة في تلك الفترة" خاصة إذا علمنا أن المؤسسات الاستثنائية التي أنشأت إثر الانقلاب العسكري في 11 يناير 1992 كانت تسيطر بشكل محكم على الأجهزة الأمنية للبلاد، وتمارس السلطة الفعلية طيلة فترة الأزمة الجزائرية.

نبهت لجنة حقوق الإنسان خلال استعراضها سنة 2007 لتقرير الجزائر الدوري الثالث إلى جمود السلطات الجزائرية وقصورها في متابعة المسؤولين المتورطين في الجرائم، واعتبرت أنها لم تتابع وتعاقب إلا عددا قليلا منهم بالمقارنة مع حجم الاختفاءات الهائل (الملاحظات الختامية للجنة حقوق الإنسان المتعلقة بالتقرير الدوري الثالث للحكومة الجزائرية) CCPR/C/DZA/CO/3/CRP.1

وأكد فريق الأمم المتحدة العامل المعني بالاختفاء القسري في وقت سابق على "أن الجزائر تقف عاجزة أمام مشكل الإفلات من العقاب على الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة ابتداء من سنة 1992 من قبل قوات الأمن والمليشيات التي سلحتها الدولة (E/CN.4/2005/65).

لم تستسلم أسرة بورفيس لليأس أمام إنكار السلطات الجزائرية، بل ظلت تناضل وانتظرت 18 سنة إلى أن أصدرت لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة قرارها الذي يحمل الحكومة مسؤلية جريمة اختفاء الطاهر وابنه بشير ويدينها لانتهاك حقوقهما ويعترف بمعاناة أقاربهما . عبر الدكتور موسى بورفيس إثر صدور هذه الإدانة عن ارتياحه قائلا "يمكننا الآن أن نتنفس الصعداء، هذا القرار يمثل بالنسبة لعائلتنا اعترافا بعدالة قضيتنا، وسنستمر مع بقية أسر المختفين في النضال إلى يتم القبض على مرتكبي هذه الجرائم ومتابعتهم وإدانتهم"

أدانت اللجنة في قرارها الدولة الجزائرية لانتهاكها للحق في الحياة، والحق في الحرية والأمن وممارستها للتعذيب في حق كل من الطاهر وابنه بشير المختفيين منذ 18 سنة. كما أدانت اللجنة الحزن العميق والقلق الذي سببه عدم معرفة أفراد عائلتهما بمصيرهما، وأدانت انتهاكها لحظر التعذيب وكل أشكال المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة في حقهم

وطالبت اللجنة من السلطات الجزائرية فتح تحقيق في اختفاء الطاهر وابنه بشير بورفيس، والإفراج الفوري عنهما إن كانا ما زالا على قيد الحياة، أو إعادة رفاتهما إلى ذويهما في حالة وفاتهما.

وأكدت اللجنة على ضرورة التزام الجزائر بمتابعة ومعاقبة المسؤولين عن الانتهاكات المرتكبة في حق أسرة بورفيس، وتعويضها بما يتناسب وحجم الضرر المادي والمعنوي الذي لحقها، ونفس الشئ بالنسبة للضحيتين إن كانا ما زالا على قيد الحياة.

ترحب الكرامة، التي مثلت السيدة زهرة بودهان أمام لجنة حقوق الإنسان، بهذا القرار الجديد، وتدعو السلطات الجزائرية إلى تفعيله طبقا للالتزاماتها الدولية، آملة في أن تكون هذه فرصة لفتح تحقيقات في جميع حالات الاختفاء والعمل على استتباب الحقيقة وإنصاف الضحايا، وفرصة أيضا لكسر الدرع الذي يقي مرتكبي هذه الجرائم ويؤمن لهم الحماية للإفلات من العقاب.

أعطت اللجنة لسلطات الجزائر مهلة ستة أشهر لإخطارها بالإجراءات التي اتخذتها لتفعيل قرارها الذي في تقريرها الذي سترفعه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك خلال دورتها القادمة. وستعمل الكرامة على متابعة تفعيل هذا القرار في إطار الإجراءات التي وضعتها هذه الهيئة الأممية، وستولي للموضوع اهتماما خاصا إلى أن يعاد الحق والكرامة للضحايا وذويهم.

Algeria Zahra Boudehane Moussa Bourefis


لمزيد من المعلومات، الرجاء الاتصال بالفريق الإعلامي عبر البريد الإلكتروني
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
أو الاتصال مباشرة على الرقم 0041227341007 ـ تحويلة 810

آخر تعديل على الخميس, 18 أيلول/سبتمبر 2014 11:57

العراق - آليات حقوق الإنسان

العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR)

المصادقة: 25 يناير 1971

البروتوكول الاختياري الأول (OPCCPR1) الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بشأن تقديم شكاوي من قبل الأفراد

المصادقة: لا
التقرير الحكومي: 11 أكتوبر 2013، كان مرتقبا في 4 أبريل 2000 (التقرير الخامس)
الملاحظات الختامية: 19 نوفمبر 1997
قدمت الكرامة تقرير متابعة في 5 نوفمبر 2011 (PDF)

اتفاقية مناهضة التعذيب (CAT)

المصادقة: 7 يوليو 2011
البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب (OPCAT): لا
المادة 20 (تحقيق سرى): نعم
المادة 22 شكاوى فردية): لا
التقرير الحكومي مرتقب منذ: 30 يونيو 2014، كان منتظرا مبدئيا في 6 أغسطس 2012 (التقرير الأول)
الملاحظات الختامية: لا

الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري (CED)

التوقيع: 23 نوفمبر 2010
المادة 33 (إجراءات التحقيقات): نعم
تقرير الدولة: 26 يونيو 2014، كان مبدئيا منتظرا في 23 يناير 2013 (الأول)
الملاحظات الختامية: لا

المراجعة الدورية الشاملة (UPR)

الاستعراض المقبل: 2014 (الدورة الثانية)
الاستعراض الأخير: فبراير 2010 (الدورة الأولى)

المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان (NHRI)

المفوضية العليا المستقلة لحقوق الانسان (IHCHR)