طباعة
20 تموز/يوليو 2015

العراق: الكرامة تدين تفشي الممارسة المنهجية للتعذيب، استعدادا لاستعراض البلاد المرتقب من قبل لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب

كلاوديو كروسمان، رئيس لجنة مناهضة التعذيب كلاوديو كروسمان، رئيس لجنة مناهضة التعذيب

 

في 13 يوليو 2015 وجهت الكرامة ، تقرير الظل الذي أعدته حول التعذيب في العراق إلى لجنة مناهضة التعذيب (CAT) بالأمم المتحدة، استعدادا لاستعراض البلاد المقبل من قبل اللجنة الأممية خلال دورتها المقبلة يومي 29 و 30 يوليو 2015. وأمام اتساع رقعة ممارسة التعذيب في العراق على نحو منهجي، أبرزت الكرامة أهم انشغالاتها، كغياب تعريف محدد للتعذيب، وبيئة الإفلات من العقاب السائدة واعتماد جهاز القضاء بشكل منهجي على الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب، وقدمت 34 توصية للدولة الطرف.

قبل تقييم حالة حقوق الإنسان في البلاد، يتعين الأخذ في الاعتبار أن احتلال الولايات المتحدة وما تمخض عنه من حرب أهلية وانقسام داخلي، إلى جانب الاضطرابات الإقليمية الراهنة، كلها ظروف لا يمكن تجاهلها، غير أن هذه الظروف مهما كانت صعبة لا يمكن التحجج بها لتبرير الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، كما هو واضح في التقرير الأولي للعراق الموجه إلى لجنة مناهضة التعذيب، الذي تم تقديمه يوم 30 يونيو 2014 متأخرا بسنتين عن موعده. ويرتقب النظر في التقرير الوطني للعراق خلال الحوار التفاعلي الذي سيُعقد بين السلطات و 10 خبراء مستقلين تابعين للجنة مناهضة التعذيب خلال الدورة 55 للجنة في 29 و 30 يوليو 2015.

غياب تعريف محدد للتعذيب يفسح المجال "لتقدير القضاة"

استهلت الكرامة تقريرها منددة بغياب تعريف للتعذيب في التشريع العراقي بما يتفق مع المادة 1 من اتفاقية مناهضة التعذيب، الأمر الذي يُحدث فراغا قانونيا يُخوّل القضاة اتخاذ القرار بشكل تعسفي حول ما يقدرون أنه تعذيب أو لا، مما يصّعب مهمة القضاء على هذه الممارسة، أما السلطات العراقية، فتبرر سبب غياب تعريف التعذيب، برغبتها في "السماح بقدر من المرونة للتفسير الفقهي التقديري دون تقييد مفهوم التعذيب بتعريف محدد الذي قد يصبح، مع مرور الزمن والتطور الهائل في أساليب التحقيق والاستجواب، غير مناسب وشامل بما فيه الكفاية".

من وجهة نظر إيناس عصمان، المنسقة القانونية والمسؤولة الإقليمية للشؤون القانونية للكرامة بالمشرق، "فإن مثل هذا التفسير لتبرير غياب تعريف محدد للتعذيب هو مجرد "انتقال قانوني" لتقنيات الاستجواب المكثفة" التي استخدمتها إدارة بوش أثناء احتلال العراق"، و"لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون متوافقة مع اتفاقية مناهضة التعذيب"، التي أصبح العراق طرفا فيها في 7 يوليو 2011.

تفشي حالة الإفلات من العقاب لمرتكبي التعذيب

بوسع القضاة ليس فقط تحديد ما يرونه تعذيبا أم لا، بل يمكنهم أيضا تقرير متى يفتح تحقيق في مزاعم التعذيب، الأمر الذي نادرا ما يأمرون به، في خرق للمادة 12 من اتفاقية مناهضة التعذيب، وحتى عندما يقومون في حالات نادرة، بهذا التحقيق، غالبا ما يتم التستر على أعمال التعذيب، كما هو الحال في قضية عامر البطاوي، العامل ضمن الطاقم الأمني لنائب الرئيس السابق طارق الهاشمي، والبالغ من العمر 40 سنة، الذي توفي تحت التعذيب في بغداد يوم 15 مارس 2012. ورغم تشكيل لجنة تحقيق في ظروف وفاته بناء على طلب من وزارة حقوق الإنسان، إلا أن هذه اللجنة تجاهلت تماما آثار التعذيب الواضحة التي تعرض لها الضحية. بما في ذلك الجروح العديدة والحروق الواضحة على جتثه، إضافة إلى قطع لسانه، وخلصت الجنة إلى أن البطاوي قد "توفي نتيجة تبعات فشل كلوي."

وفي غياب التحقيقات نادرا ما يتعرض مرتكبو جرائم التعذيب للمتابعة، في انتهاك للمادة 7 من اتفاقية مناهضة التعذيب. ولا يتم تقديم لموظفين العموميين إلى العدالة إلا بإذن من الوزارة المختصة، مثل وزير الداخلية حين يتعلق الأمر بالشرطة. أما بالنسبة للعقوبات المنصوص عليها بحق الجناة، فإنها لا تتناسب مع خطورة الأفعال المنسوبة إليهم ولا تأخذ بعين الاعتبار جسامة جريمة التعذيب، كونها لا تنص إلا على فترة احتجاز غير محددة، بالإضافة إلى إمكانية المسؤول المتابع أمام القضاء التحجج بتنفيذ أمر من رئيسه "شعر أنه مضطر لطاعته" كمبرر للتعذيب.

وفيما يخص مسألة الإفلات من العقاب، أعربت الكرامة أيضا عن قلقها إزاء الحصانة من الملاحقة القضائية التي تتمتع بها قوات التحالف التي غزت البلاد عام 2003 وارتكابها أعمال تعذيب ضد العراقيين، منها جرائم التعذيب الأكثر بشاعة وشهرة التي جرت في سجن في أبو غريب. وكانت النتيجة حرمان ضحايا التعذيب على يد قوات التحالف من أي شكل من أشكال الجبر أو التعويض. إن إبرام السلطات العراقية على اتفاقات مع قوات التحالف والولايات المتحدة، التي بموجبها تتمتع هذه القوات بالحصانة من الملاحقة القضائية، يرقى رزمة من الانتهاكات لاتفاقية مناهضة التعذيب، التي بمقتضاها يجب على الدول الأطراف أن تتولى اختصاص المقاضاة على جميع أعمال التعذيب المرتكبة في ولايتها القضائية (المادة 5)، وفتح تحقيقات (المادة 12)، وكذلك ضمان حصول الضحايا على حقهم في تقديم شكوى (المادة 13) والحصول على الإنصاف والتعويض (المادة 14).

انتزاع الاعترافات تحت التعذيب على نحو منهجي أثناء مرحلة "التحقيق"

أشارت الكرامة في تقريرها أن التعذيب يجري في الغالب أثناء مرحلة التحقيق، وبعد الاعتقال وقبل توجيه الاتهامات رسميا من قبل القاضي. وبعد عليمات القبض التي تتم عادة بدون أمر قضائي، وأحيانا مباشرة بناء على أوامر من مكتب رئيس الوزراء، يتم نقل المشتبه بهم إلى مرافق الشرطة الخاضعة لسيطرة وزارة الداخلية المعروفة باسم "التسفيرات"، حيث يعذبون من أجل انتزاع الاعترافات، قبل تقديمهم لأول مرة أمام قاضي التحقيق وتعرضهم لتهديدات مبطنة من رجال الأمن في حالة رفضهم تأكيد المعلومات التي أدلوا بها تحت الإكراه.

يوضع معظم المتهمين رهن الاعتقال السري بمعزل عن العالم الخارجي في سجون غير معترف بها لفترات طويلة من أجل انتزاع الاعترافات منهم، حيث يحرمون من أي اتصال بأفراد أسرهم أو مستشارين قانونيين. ويقع أحد مراكز الاعتقال السري المشهور بسوء سمعته لشراسة ممارسة التعذيب المنهجي فيه، بمطار المثنى العسكري القديم الواقع غرب بغداد والخاضع لإشراف اللواءين 54 و 56 من الجيش العراقي، التي تقدم تقاريرها مباشرة إلى مكتب رئيس الوزراء. عقب افتضاح هذا المركز في عام 2010، أكد رئيس الوزراء السابق المالكي في مقابلة تلفزيونية أنه "لا يوجد أي سجون سرية في العراق"، وأن مزاعم التعذيب مجرد "أكاذيب" و "حملة تشويه" يروجها أعضاء الفصائل السياسية المنافسة الذين أوعزوا إلى السجناء بافتعال ندوب "بفرك عيدان ثقاب على بعض أجزاء أجسادهم."

اعتماد حصري من السلطة القضائية على الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب
هذا النمط المثير للقلق من عمليات انتزاع الاعترافات، إضافة إلى غياب استقلال القضاء، من شأنه أن يعزز استدامة نظام قضائي قائم بشكل مفرط على الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب أثناء جلسات التحقيق والمحاكمات، في انتهاك صارخ للمادة 15 من اتفاقية مناهضة التعذيب. وينتهي الأمر بمحاكمات غير عادلة، تقوم المحاكم العراقية بإدانة المتهمين بشكل منتظم والحكم عليهم بالسجن لفترات طويلة أو الإعدام، وفقا لما هو منصوص عليه في قانون مكافحة الإرهاب.

وفي الحالات النادرة، التي يُقدم فيها الدليل المقنع أمام القاضي على تعرض المتهم للتعذيب، تصدر المحكمة رغم ذلك حكما بالسجن مدى الحياة بدلا من عقوبة الإعدام. وفي تقريرها الوطني، اعترف العراق أن الاعترافات لها في واقع الأمر "وزن كبير" و "تأثير واضح" على الهيئة القضائية التي تنظر في هذه الاعترافات. وقد استنكرت الكرامة ذلك معتبرة أن مثل هذا الاعتماد الكبير على الاعترافات يشجع بدوره قوات الشرطة والمخابرات على استخدام التعذيب بدلا من إجراء تحقيقات الطب الشرعي المناسبة التي ترقى لتكون بمثابة دليل إثبات مقبول لإدانة المتهم.

وبالإضافة إلى ذلك، تمارس السلطة التنفيذية، لاسيما مكتب رئيس الوزراء، نفوذا قويا على السلطة القضائية، بحيث غالبا ما تتعرض المحاكم لضغوطات تفرض عليها إصدار أحكام إدانة قاسية بشكل كبير، تصل إلى حد عقوبة الإعدام، على أساس اعترافات منتزعة تحت التعذيب فحسب، خاصة ضد المعارضين السياسيين المعروفين بمعارضتهم القوية وانتقاداتهم الصريحة لسياسات الحكومة. وفي هذا الصدد تعد محاكمة نائب الرئيس السابق طارق الهاشمي على أساس اعترافات انتزعت تحت التعذيب من  حراسه الشخصيين تم بثها على شاشة التلفزيون الوطني في عام 2011 غاية في الرمزية. وتعليقا على مثل هذه الممارسة أكد مسؤول في وزارة الداخلية اللواء عادل دهام قائلا: "إذا قلنا إننا ألقينا القبض على زعيم تنظيم القاعدة، من سيصدق ذلك؟ ما قمنا به كان الهدف منه إثبات المصداقية، ونحن على يقين بأننا على الطريق الصحيح.

في واقع الأمر طريقة بث "الاعترافات" على قناة العراقية الخاضعة للدولة بالتعاون مع وزارة الداخلية هي ممارسة يجري العمل بها على نطاق واسع. يجبر المحتجزون في برنامج "في قبضة العدالة" على ذمة التحقيق على "الاعتراف بجرائمهم" بعد تعرضهم على الأرجح للتعذيب والتهديد. وبذلك يُنعت الأشخاص الذين يظهرون على شاشة التلفزيون بـ "الإرهابيين" وتمارس ضغوط على القضاء لإصدار أحكام جد قاسية مبنية على أساس الاعترافات العلنية فحسب، كما ينظم مسؤولون في وزارة الداخلية مؤتمرات صحفية بشكل منتظم، يقدم خلالها المعتقلون إلى وسائل الإعلام للاعتراف بجرائمهم، وتبث لقطات فيديو تظهر أحيانا "استجوابات" للمحتجزين على ذمة لتحقيق على شبكة الإنترنت عبر قناة يوتيوب الخاصة بهم، في انتهاك واضح لمبدأ "قرينة البراءة".

الكرامة تدعو العراق لوضع حد نهائي لممارسة التعذيب

وما القضايا المذكورة أعلاه إلا مجرد عينة صغيرة من مجموعة انشغالات الكرامة الكثيرة المتعلقة بممارسة التعذيب في العراق، ويمكنكم الاطلاع على تقرير الظل للكرامة لمزيد من التفاصيل. وتجب الإشارة إلى أن معالجة هذه العينة من الحالات تبقى شرطا لوضع حد لممارسة التعذيب في العراق. إذا كانت الدولة راغبة حقا لوضع حد نهائي لهذه الممارسة، كما عبرت عن ذلك لدى انضمامها إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب قبل أربع سنوات، يتعين عليها:
• إدخال التغييرات اللازمة في القانون؛
• تجريم التعذيب؛
• فتح تحقيقات في جميع مزاعم التعذيب؛
• محاكمة المتورطين في هذه الممارسات.

إن تحقيق هذه الشروط الأساسية قصد ضمان سيادة القانون أمر ضروري لاستعادة ثقة الشعب في مؤسسات الدولة. وقد ساهم تفشي مناخ الإفلات من العقاب السائد وسط قوات الأمن والميليشيات التي ترعاها الدولة، في زرع الشعور بالظلم والاغتراب بين فئات السكان التي يتم استمالتها من قبل الجماعات المتطرفة اليوم لتأجيج نيران الإرهاب. وفي ضوء تدهور الوضع الأمني في البلاد، يتوجب على السلطات العراقية بدل مزيد من الجهود لاحترام التزاماتها الدولية التي قطعتها عند انضمامها إلى اتفاقية مناهضة التعذيب في يوليو 2010، وأن تدرك أن اعتبارات الأمن القومي لا يمكن أبدا أن تشكل مبررا لتملصها من الواجب الذي يفرض عليها الحظر المطلق للتعذيب أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.

ويحذو الكرامة الأمل بأن يُنظر بشكل بناء للانشغالات التي آثارتها في تقرير الظل الذي تقدمت به بمناسبة تنظيم جولة الحوار بين لجنة مناهضة التعذيب وممثلي الدولة الطرف، الذي سيعقد يومي 29 و 30 يوليو، ويمكن مشاهدة البث الحي على موقع بث هيئة المعاهدة، من أجل وضع حد للتعذيب وغيره من انتهاكات لكرامة الإنسان.

لمزيد من المعلومات
الرجاء الاتصال بالفريق الإعلامي عبر البريد الإلكتروني عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
أو مباشرة على الرقم 0041227341008

آخر تعديل على الخميس, 20 آب/أغسطس 2015 16:20