03 آب/أغسطس 2009

الجزائر: قضية اختفاء السيد أوغليسي أمام لجنة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة

ألقي القبض على السيد معمر اوغليسي في 27 أيلول/ سبتمبر 1994 في مكان عمله على أيدي ثلاثة عناصر من الأمن يرتدون ملابس مدنية، قدموا أنفسهم بصفتهم عناصر من الأمن، من دون ذكر السبب وراء عملية القبض هذه. ومنذ ذلك الحين اختفت آثار السيد أوغليس، وانضم بذلك  إلى قائمة المختفين قسرا.

وفي ضوء هذا الحدث راسلت الكرامة لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة نيابة عن السيدة فريدة خيراني، زوجة السيد اوغليسي، عن طريق شكوى فردية بتاريخ 1 تموز/ يوليو 2009.

وللتذكير، فالسيد معمر اوغليسي  من مواليد 23 تشرين الاول/ أكتوبر 1958 في قسنطينة (الجزائر)، متزوج وأب لطفلين، وكان يمارس مهنة مساح لدى مصلحة البنية التحتية للشركة الوطنية للسكك الحديدية.

وجاء وفقا لشهادات أفاد بها زملائه في العمل، أن عملية القبض على السيد أوغليسي تمت في مقر عمله، وذلك في 27 أيلول/ سبتمبر 1994، على حوالي الساعة الواحدة ظهرا، عند عودته من فترة الاستراحة، إذ توجه ما لا يقل عن ثلاثة عناصر من الامن إلى مقر الشركة، على متن سارة رباعية الدفع من نوع نيسان باترول بيضاء اللون، مع الإشارة أن هذا النوع من السيرات كانت تستخدمها عادة في ذلك الحين، مصالح الشرطة القضائية ومصالح الاستخبارات والأمن  التابعين لمؤسسة الجيش (مديرية الاستخبارات والأمن)، فقدموا أنفسهم إلى موظفي الشركة بصفتهم أفرادا من الأمن من دون تقديم تفاصيل عن المصلحة التي ينتمون إليها. ونظرا لعدم عثورهم على السيد معمر أوغليسي في مكان العمل قرروا انتظاره هناك، مع منعهم في الوقت ذاته زملائه الحاضرين من المغادرة، وقد يكون مرد ذلك خوف عناصر الأمن من احتمال إبلاغ هؤلاء الموظفون زميلهم حول ما ينتظره.

وبالفعل،  لدى عودة الضحية إلى مكان عمله، طلبوا منه اصطحابهم من دون تقديم أي نوع من التوضيح، كما أوضح زملاءه أن عناصر الأمن لم يقدموا للضحية أي سبب لتبرير عملية القبض، فضلا عن عدم استظهارهم امرا فضائيا الواجب تقديمه في هذه الحالات، واكتفوا بأن طلبوا منه الصعود على متن سيارته الشخصية من نوع أوبل أوميغا زرقاء اللون، برفقة اثنين من افراد الأمن، ثم غادر موكب السيارات المكان الى جهة مجهولة.

وعلى الرغم من كافة المساعي المبذولة من قبل أفراد الأسرة لمعرفة مصير السيد أوغليسي، لم تعلم السيدة أوغليسي  بان زوجها  معتقل في ثكنة المنصورة التابعة للمنطقة العسكرية الخامسة التي تديرها مديرية الاستعلام والأمن، إلا بعد مضي  ثمانية أشهر من اختطافه وذلك عن طريق أحد المعتقلين المفرج عنهم.

وحتى نهاية عام 1995، كانت العديد من الشهادات التي توصلت بها زوجة الضحية أو أقاربه، تفيد بخبر اعتقال السيد أوغليسي في هذه الثكنة أو الأخرى من ثكنات مديرية الاستعلام والأمن. وجاء في شهادة  أخيرة افاد بها جندي في عام 1996 أن السيد أوغليسي كان لا يزال على قيد الحياة في ذلك التاريخ، ومنذ ذلك الحين، لم تتمكن أسرته من الحصول على أي أنباء عنه.

ومن المهم في هذا الصدد الإشارة إلى أن العديد من عمليات الخطف والاعتقالات التي تمت في مدينة قسنطينة، والتي طالت على وجه الخصوص أعضاء في مجالس البلديات والنواب أو مواطنين بسطاء من المناضلين او مؤيدي الجبهة الاسلامية للانقاذ، قد جرت مباشرة خلال الايام القليلة التالية لتلك العملية واستمر طيلة الشهر كله.

واستنادا إلى العديد من شهادات الناجين، فإن جميع الأشخاص الذين ألقت عليهم الشرطة القضائية القبض ظلوا رهن الاعتقال السري لعدة أسابيع أو شهور في مقر المحافظة المركزية للشرطة في مدينة قسنطينة حيث تعرضوا للتعذيب بشكل منتظم ثم نُقِلوا الى المركز الإقليمي للبحوث والتحقيقات، التابع للمنطقة العسكرية الخامسة تحت إدارة مديرية الاستعلام والأمن، والتي كان يقودها آنذاك العقيد كمال حمود، أما الأشخاص المختطفين من قبل مديرية الاستعلام والأمن، فكانوا يُوَجهون مباشرة إلى المركز الإقليمي للبحوث والتحقيقات، حيث اختفت آثار العديد منهم منذ ذلك الحين.

ومن المرجح جدا أن تكون عملية القبض على السيد معمر أوغليسي تندرج ضمن نفس العملية التي خاضتها مصالح الشرطة القضائية بالتعاون مع مديرية الاستعلام والأمن لمدينة قسنطينة، بشكل منسق ومخطط  له بإحكام.

ومن بين المساعي المختلفة التي قامت بها الأسرة، توجهها إلى محكمة قسنطيفة لمعرفة ما إذا تم تقديم السيد اوغليسي امام المدعي العام.

ثم تقدم والد الضحية بدوره بشكوى أمام المدعي العام في قسنطينة بشأن حالة اختفاء واختطاف ابنه، غير أن هذا الاخير لم يجر قط أي تحقيق بهذا الشأن ولم ينظر حتى في فحوى هذه الشكوى، لا بل  ورفضت مصالح النيابة العامة حتى الكشف إلى والد الضحية رقم تسجيل الشكوى.
فقامت زوجة السيد أوغليسي هي أيضا بتقديم شكوى حول خطف واختفاء زوجها في بحر عام 1998، ونظرا لإصرارها و شبثها بهذا الحق لم يجد المدعي العام من قسنطينة في الأخير،  مفرا فاستقبلها واستمع إليها في إطار محضر فتحه بهذا الغرض.

ولا يبدو أن وكيل النيابة قد فتح تحقيقا حول هذه القضية، ذلك  لأنه لم يجر استدعاء أي من الشهود على الوقائع التي أوردها الضحية  في تصريحاته إلى المدعي العام، ولا سيما زملاءه في العمل، بغرض الاستماع إلى أقوالهم.

وفى الوقت نفسه، وبعد إحاطتها علما بخبر إنشاء مكتب استقبال في كل ولاية (محافظة) من ولايات البلد، لتلقي الشكاوى من عائلات المختفين، توجهت السيدة أوغليسي إلى إحدى هذه المكاتب  لتقدم شكوى أخرى لدى هذه السلطة الإدارية في 28 أيلول/ سبتمبر 1998، لكنها لم تستدعى من قبل مصالح الدرك الوطني إلا في عام 2000 حيث أبلِغت أن البحث بشأن اختفاء زوجها لم يسفر عن أية نتائج.

وبذلك تكون جميع سبل الطعن قد استنفدت، لا سيما و أن القرار رقم 6 / 01 القاضي بـ "تنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية" الذي صدر في 27 شباط/ فبراير 2006، يحظر بشكل نهائي تقديم أي شكوى ضد مرتكبي الجرائم ويهدد بعقوبة السجن كل من قد تسول له نفسه "الاساءة الى سمعته" (المادتان 45 و 46).

وفي نهايةالمطاف، وأمام هذا الوضع، توجهت  السيدة أوغليسي إلى لجنة حقوق الإنسان، من خلال هذه الشكوىن لكي تسجل هذه اللجنة أن اختفاء زوجها يشكل انتهاكا للحق في الحياة، القاضي بعدم تعريضه للتعذيب أو سوء المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والحق  في حرية وأمان الأشخاص، وحق المعتقل في المعاملة التي تحترم الكرامة الإنسانية، والاعتراف له من الناحية القانونية بالحق في الانتصاف (الفقرة 3 من المادة 2، والفقرتان 1,7 من المادة 6 1والفقرات 1 و 2 و 3و 4 و 10 و 16 من المادة 9 من  العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية

ومن هذا المنطلق تلتمس السيدة أوغليسي من لجنة حقوق الإنسان مناشدة الحكومة الجزائرية تحقيقا لما يلي:

1- إطلاق سراح السيد معمر أوغليسي إذا كان لا يزال رهن الاعتقال السري من طرف أي سلطة من السلطات، واتخاذ كل التدبير الضرورية بحيث لا يتعرض لضرر قد يكون غير قابل للاصلاح،

2- أن لا تطبق السلطات عليها أو على أي فرد آخر من أقارب الضحية  احكام المادتين 45 و 46 من القانون المتعلق بتنفيذ الميثاق، أو  ممارسة أي شكل من أشكال التضييق، بهدف حرمانها من حقها في الاتصال بلجنة حقوق الإنسان.

آخر تعديل على الثلاثاء, 29 كانون1/ديسمبر 2009 18:24