17 أيار 2010

العراق: سمير عمار يتعرض للتعذيب في كركوك في أعقاب محاولة انتحار محيرة

كان سمير عفيف عمار جالسا داخل مقهى صغير في دير الزور ، وهي مدينة تقع في شمال شرق سوريا على نهر الفرات، عندما باشره شخص، لم يسبق له قط أن التقى به، يدعى "أبو عمر" بمحادثة. وقال الشخص المدعو أبو عمر انه يمكنه أن يؤمن له العمل في أحد حقول النفط العراقية، ووعده بمرتب رغيد. وقد جرى ذلك في شهر كانون الثاني/ يناير 2009، وبعد فترة وجيزة، قام أبو عمر بتهريب سمير الذي كان يبلغ حينئذ 19 عاما، عبر الحدود إلى العراق، وقد أمضى سمير أسبوعين في العراق، ثم يواصل فيقول وفق ما جاء في روايته "لا يمكنني أن أتذكر بقية القصة."

وقد كتبت الصحفية الألمناية المستقلة كارولين إمكي، عن قضية سمير في مقال لها مؤخرا بعنوان العراق: بقايا الحرب، بعد قيامها بزيارة له في مركز كركور للاحتجاز في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2009. وتتذكر الصحفية حيث تقول أن سمير كان "بالكاد يستطيع المشي، حيث كان يجر قدميه إلى الأمام وهو في حالة وهن شديد، وكان بنفس قامتي، أي يبلغ طوله حوالي 1،75 متر ويزن كحد أقصى 55 كغم" وبالنسبة للأمكي، فموضوع حادثة فقدان الذاكرة يصعب تصديقه لو لم يشاهد المرء بأم عينيه الظروف التي كان يعيش فيها سمير. وأضافت "إنه ببساطة شديدة، لا يمكنه أن يتذكر؟" وتواصل "هل هذه هي القصة التي يفترض تصديقها؟" في نهاية المطاف، ربما كانت تلك "الندبة الضخمة على شكل هلال" المرتسمة على الجانب الأيمن من رأسه، هي التي جعلت قصته أكثر تصديقا.

"والشيء التالي الذي أعرفه"، يقول سمير "هو انه ألقي علي القبض بينما كنت احمل حزاما ناسفا مربوطا حول خصري، وكان عناصر من الشرطة ينهالون علي بالضرب المبرح". "ولم يتمكن سمير عمار بكل بساطة أن يتذكر لماذا كان ملفوفا بالمتفجرات، وهو يشدد على ذلك بقوله "هذا كل ما أتذكره، وقد قلت ذلك أثناء جميع عمليات الاستجواب".

وبعد تعرضه للضرب المبرح على أيدي عناصر الشرطة، قضى سمير عشرة أيام طريح الفراش في المستشفى، ثم نقل على إثر ذلك إلى مركز كركوك الاحتجاز - وما لبث أن قذف به من جديد في أتون سلسلة أخرى من عمليات الاستجواب اللا متناهية.

ويقول سمير: "ضربوني... بالعصي والكابلات، فضلا عن تعريضي للتعذيب بالصدمات الكهربائية". وتصف الصحفية إمكي من جهتها كيف أن سمير كان يمرر يده اليسرى لتمسيد الندبة الواقعة على الجانب الأيمن من رأسه الحليق. وحسبما جاء في إفادة إمكي، لم يكن سمير يستطيع تحريك سوى يده اليسرى، حيث كانت الذراع الأخرى تتدلى" بشكل هزيل لتتمدد على ساقه اليمنى"، وكأن سمير قد سلّم بالفعل بحالة الشلل المحتومة التي تنتظره، حيث كان يصرح موضحا: "لا أستطيع أن أتحكم بشقي الأيمن".
والسؤال المطروح، من هو المسؤول أو الجهة المسؤولة عما لحق به من أصناف التعذيب الوحشي؟ وهل يعتبر سمير انتحاري فاشل ذو نية حسنة أم هو في المقابل شاب سوري، وقع في شراك حرب معقدة يجهل تدارسها؟ على أية حال، فقد ظل سمير مهجورا في العراق، وقد تم احتجازه في زنزانة رفقة أربعين من السجناء الآخرين لمدة عام تقريبا الآن، وبدون أدنى اتصال بأسرته أو حتى بمحام لتولي قضيته.

والحقيقة هي أن سمير عمار يجهل هوية الأشخاص الذين قاموا بتعذيبه، وهو يتذكر سماعه تحدث الجلادين إلى بعضهم البعض باللغة العربية واستخدامهم صندوقا كهربائيا أسودا صغيرا، كانوا يطلقون عليه اسم "الأمريكي". لكن المفارقة هي أن سمير كان في واقع الأمر خاضع للتحقيق من قبل أمريكيين خلال تلك الحوادث المؤسفة، لكنه أصر على "أنهم لم يمسوه قط".

وبناء على طلب من الصحفية كارولين إمكي، قدمت الكرامة قضية سمير عفيف عمار إلى المقرر الخاص المعني بالتعذيب في 17 أيار/ مايو 2010. وللإشارة فقد ساهمت الحالات كتلك التي تعرض لها سمير في تسليط الضوء على الكارثة المظلمة التي تشهدها وضعية حقوق الإنسان في العراق، حيث أن التعذيب أضحى أمرا شائعا وحالات الاختفاء تجري بشكل اعتيادي حتى أصبحت مشهدا مألوفا.

وقد بلغ بالفعل عدد حالات التفجيرات الانتحارية في العراق، وفق ما ذكرته وسائل الإعلام، 44 حالة في عام 2010. وفي هذا الصدد لا يعتبر سمير عمار حاليا، فقط مجرما وضحية من ضحايا الحرب، ولكن يعتبر أيضا ضحية لحقوق الإنسان. ويقول سمير متوجها إلى الصحفية إمكي، وإن كان ذلك دون جدوى "لأي سبب أقبل على مثل هذا العمل؟ فأنا أرفض التفجيرات الانتحارية. وإذا كان الناس يريدون قتل أنفسهم، فليقتلوا أنفسهم، لكن لا يحق لهم قتل غيرهم في هذه العمليات."
ومع أن الكرامة لا تتسامح ولا تتعاطف، بأي حال من الأحوال، مع أعمال العنف، مثل التفجيرات الانتحارية، لكنها تصر على أن الحقيقة الثابتة تظل تستوجب تنفيذ جميع التدابير المتخذة في سياق مكافحة الإرهاب، في ظل الاحترام الكامل الذي تفرضه الالتزامات الدولية لحقوق الإنسان على الدول. وفي حالة عمار سمير، تشكل مسألة حظر التعذيب حجر الزاوية في القانون الدولي لحقوق الإنسان، وينبغي عدم انتهاك هذا الحظر في أي ظرف من الظروف.