اليمن: الكرامة ومنظمات المجتمع المدني تستنكر انتهاكات حقوق الإنسان تحت ذريعة محاربة "الإرهاب"
وكان أكثر من 165 شخصية يمثلون مؤسسات مجتمع المدني في اليمن ونشطاء وأكاديميين وباحثين وإعلاميين، بالإضافة إلى ممثلي هيئات دبلوماسية ومنظمات دولية أطلقوا الأحد 24 يناير 2009، بمشاركة مندوب الكرامة في اليمن، منتدى المجتمع المدني الموازي لمؤتمر لندن، ناقشوا خلاله عددا من القضايا المرتبطة باليمن ومكافحة ما يسمى "الإرهاب"، كما توجهوا برسالة إلى السيد غوردون بروان رئيس وزراء المملكة المتحدة، وممثلي الدول المشاركة في مؤتمر لندن حول اليمن، طالبوا فيها المجتمع الدولي والحكومة اليمنية بـ"تحديد وضبط مفهوم "الإرهاب"، بشكل واضح ودقيق حتى يتم تلافي الالتباس القائم في هذا الشأن، وحتى لا يكون غياب تعريف محدد للإرهاب وسيلة لتوظيف مشاريع الحرب على الإرهاب في اليمن، كما في دول أخرى، ضمن أدوات الحكومة السياسية والأمنية والدعائية التي تدير بها الشأن العام للبلاد، بما فيه معاركها مع الأحزاب السياسية والجماعات المطلبية والمدنية والحقوقية".
وفي رسالتهم قال المشاركون في منتدى المجتمع المدني الموازي لمؤتمر لندن إنه "من منطلق الشعور بأهمية مؤتمركم (....)، وخطورة القضايا الموضوعة فيه، وما قد يترتب عليه مستقبلا من آثار في سياق مكافحة الإرهاب في اليمن، فان المجتمع المدني اليمني، بالشراكة مع الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان (FIDH) ومقرها باريس، قد تداعى لعقد منتدى موازي لمؤتمركم تحت شعار (ضمان أمننا وحرياتنا وحقوقنا شرط لمكافحة الإرهاب)، ناقش عددا من القضايا المرتبطة باليمن ومكافحة الإرهاب".
وفيما أكد المشاركون إدانتهم "الإرهاب بكافة أشكاله ومصادره، وأياً كانت أسبابه"، أكدوا في ذات الوقت بأن "عمليات مكافحة الإرهاب يجب أن تُستمد وتخضع للمشروعية الدستورية بإتباع الإجراءات القانونية اللازمة، وعلى الجهات المعنية أن تتقيد بالقانون في إجراءاتها وتدابيرها، وان تقوم بتقديم المشتبه بهم إلى القضاء مع ضمان حقهم في محاكمة عادلة وفق المعايير الدولية".
وطالبوا بوضع حد للتدخل "العسكري الأجنبي في الدول الإسلامية والعربية، والتعاطي الدولي غير العادل في قضايا الصراع العربي الإسرائيلي".
وحث المشاركون في منتدى المجتمع المدني "الحكومة اليمنية على الانضمام إلى اتفاقية مناهضة الاختفاء القسري، والبرتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب، وبرتوكول العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الخاص بمنع عقوبة الإعدام فيما يخص القضايا السياسية، والمصادقة على نظام روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية، وذلك لتوفير بيئة تضمن الحقوق والعدالة والحماية في اليمن".
وشددوا على ضرورة "احترام الحقوق الدستورية والقانونية للأفراد، كون الإجراءات القمعية الرسمية تجاه مختلف الأشكال وأدوات التعبير المدنية والسلمية تؤدي إلى خلق احتقانات وردود أفعال عنيفة"، وطالبوا بدعم "إنشاء هيئة وطنية مستقلة لحقوق الإنسان ذات صلاحيات واسعة بقانون بما يضمن لها القيام بمهامها في الحماية والرقابة والردع"، كما طالبوا بوضع "الإصلاح القضائي في اليمن على رأس أولويات أي عملية إصلاح شامل، بما يضمن استقلاله الكامل، غير الشكلي، ويضع حدا للتوظيف السياسي له بما يحول دون التدخل فيه بشكل يعرقل سير العدالة".
وكانت العديد من مكونات المجتمع اليمني عبرت عن مخاوفها من أي تدخل أجنبي في البلاد تحت ذريعة مكافحة "الإرهاب"، فيما حذرت شخصيات دينية ومثقفين وقادة رأي من ذلك، معبرين في بيان تناقلته وسائل الإعلام عن استنكارهم للعمليات الاستباقية التي شنتها السلطات اليمنية مؤخرا ضد من قالت إنها مراكز وتجمعات لعناصر "القاعدة في عدد من المناطق اليمنية، وأودت بحياة عشرات الأبرياء بينهم أطفال ونساء، وأعلنوا "تجريم أي قتل خارج إطار القضاء الشرعي ودون محاكمة عادلة"، كما عبروا عن رفضهم الكامل "أي وجود أو اتفاقية أو تعاون أمني او عسكري مع أي طرف خارجي، يخالف الشريعة الإسلامية ويضر بمصلحة البلاد"، وكذلك رفضهم المطلق "إقامة أي قواعد عسكرية في الأراضي اليمنية أو مياهها الإقليمية".
وفي تقرير قدمته إلى لجنة مناهضة التعذيب في الأمم المتحدة، عبرت الكرامة عن قلقها من الوضع المقلق لحقوق الإنسان في اليمن، نتيجة تراكم عدد من العوامل الداخلية المتعلقة بالنزاعات التي تجري وقائعها في شمال البلاد وجنوبه، هذا بالإضافة إلى طبيعة السلطة القائمة، وحالة الفقر المتفشي، وطبيعة الهياكل الاجتماعية السائدة، فضلاً عن العوامل الخارجية، ذات الصلة بالوضع الجيو- ستراتيجي للبلد، إلى جانب الضغوط الممارسة عليه في إطار الحرب الدولية ضد الإرهاب، مما أسهم إلى حد بعيد وخطير في تدهور الوضع السياسي، وتباعا في تدهور وضع حقوق الإنسان.
وإذا كان اليمن قد حقق تقدما ملحوظا في مجال التشريع، يظل مستوى الممارسة، في المقابل، دون التطلعات، بحيث لا يتم بالقدر الكافي احترام المبادئ المنصوص عليها في مختلف القوانين، كما أن التجاوزات التي يرتكبها أعوان الدولة أو الشخصيات المحلية النافذة لا يتعرض أصحابها للمقاضاة، أو معاقبتهم عليها.
هذا بالإضافة إلى أن حالات الاعتقال التعسفي، والاحتجاز السري، وضروب التعذيب وظروف الاعتقال القاسية، والمحاكمات الجائرة، والإعدام خارج نطاق القضاء، وعمليات ترحيل الأشخاص إلى بلدان لا تحترم حقوق الإنسان، كلها ممارسات معمول بها على نطاق واسع.
يشار إلى أن الأجهزة الأمنية في اليمن تنفذ منذ أيام حملة اعتقالات عشوائية ضد أشخاص يشتبه في صلتهم بتنظيم القاعدة أو تورطهم في أنشطة "إرهابية"، كما اعتقلت خلال الأشهر والسنوات الماضية مئات الأشخاص بدون أي إجراءات قانونية. وجرت عدة عمليات إلقاء القبض خلال التجمعات والمظاهرات في الجنوب، في حين، شهدت المنطقة الشمالية من محافظة صعدة، حيث تجري حرب ضد أتباع المذهب الزيدي، عمليات توقيف طالت المئات من المدنيين الذين لم يشاركوا في النزاع المسلح بين الجيش والحركة الحوثية المتمردة، مع الإشارة إلى أن هذه العمليات، التي عادة ما تتصف بالعنف، تصاحبها انتهاكات خطيرة للقوانين وحقوق الأشخاص الموقوفين.