مصر: عودة المحاكمات الاستثنائية مجدداً
وكانت محكمة "الطوارئ" المصرية برئاسة المستشار محمود سامي كامل، قررت اليوم الاثنين 14 يونيو/ حزيران، تأجيل أولى جلسات المحاكمة في هذه القضية إلى تأريخ 14 يوليو/ تموز القادم، حيث يُحاكَم فيها خمسة دعاة ورجال أعمال، بينهم متهم واحد يحاكم حضورياً هو الدكتور أسامة سليمان (المعتقل حاليًّا)، فيما بقية المتهمين يحاكمون غيابياً، لوجودهم خارج البلاد، وهم:
- الدكتور/ أشرف عبد الغفار، مصري، مقيم في تركيا
- الداعية الإسلامي وجدى غينم، مصري، مقيم في اليمن
- الداعية الإسلامية عواض محمد القرني، سعودي، مقيم في بلده السعودية
- الأستاذ إبراهيم منير، مصري، مقيم في العاصمة البريطانية لندن.
وفضلاً عن عدم شرعية المحكمة التي يمثل أمامها هؤلاء الرموز، باعتبارها محكمة استثناء "طوارئ"، فإن محاكمتهم أساساً تفتقد لأبسط معايير العدالة وتمثل بحد ذاتها انتهاكاً واضحاً للقوانين والمواثيق الدولية، كما تكشف حقيقة الوجه السيئ للنظام الحاكم في مصر، كما يقول قانونيون ونشطاء حقوق الإنسان.
وكانت المحكمة أحضرت اليوم السجين الوحيد في هذه القضية الدكتور أسامة سليمان وحالته الصحية سيئة وسط حصارٍ أمني مشدد داخل وخارج القاعة، بحضور العديد من وسائل الإعلام المقروءة والمرئية.
ومع بَدء الجلسة أثبتت هيئة الدفاع في المحضر أنها تلتزم بقرار إضراب المحامين، لكن هناك استثناءات كالمحبوسين الأبرياء على خلفية هذه القضية، وقررت المحكمة إخراج الدكتور سليمان من قفص الاتهام أثناء عرض طلبات هيئة دفاعه، والتي تمثلت في إحالته إلى مستشفى المنيل الجامعي؛ نظرًا لسوء حالته الصحية، وتحديد نفقات لأولاده القصر بحسب مستواهم المعيشي، والاطلاع على ملف القضية، وتأجيلها لحين الانتهاء من أزمة المحامين، ثم أعادته مرةً أخرى إليه، ومن ثَمَّ قررت تأجيل القضية، وأعلنت قرارها آخر الجلسة.
وكان النائب العام في مصر عبد المجيد محمود أحال الخمسة المتهمين في هذه القضية إلى محكمة أمن الدولة العليا طوارئ، بتهم تتعلق بالانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين وغسيل الأموال في إطار ما بات يعرف بـ"قضية التنظيم الدولي".
وقامت قوات مباحث أمن الدولة بالقبض على 28 شخصاً على ذمة هذه القضية، كان على رأسهم الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح، وتمت إحالتهم إلى نيابة أمن الدولة العليا، التي باشرت من جانبها التحقيق معهم، ووجهت إليهم اتهامات تتعلق بالانتماء لجماعة محظورة وغسيل أموال، و قد تم إخلاء سبيل جميع المتهمين من قبل محكمة الجنايات منذ ما يقارب أربعة أشهر.
وفي وقت سابق قُدّم تقرير لجنة خبراء العدل المكونة من خمسة خبراء، انتدبتهم نيابة أمن الدولة العليا لفحص أوراق الشركات، خاصة شركات الدكتور أسامة سليمان، حيث أكدت التقارير الخمسة التي تسلمتها نيابة أمن الدولة في مارس الماضي أن جميع الشركات الخمس محل التحقيق لم ترتكب أي جريمة غسل أموال، والتزمت الشفافية في تعاملاتها المالية ولم يلاحظ تلقيها أموالا مجهولة المصدر أو عمليات إخفاء أو تمويه أو دعمها لجماعة الإخوان المسلمين، وأضافت التقارير أنه لم يثبت وجود أي صلة بين الشركات وجماعة الإخوان المسلمين.
إلا أنه و برغم ذلك، تغاضت نيابة أمن الدولة عن التقرير وقدمت المهندس أسامة سليمان للمحاكمة أمام محكمة أمن الدولة العليا "طوارئ" بذات التهمة التي نفتها تقارير لجنة خبراء العدل.
يذكر أن محكمة جنايات القاهرة كانت قد قضت بتأريخ 18 /3/2010، بالإفراج عن الدكتور أسامة سليمان، والذي كان محبوسا على ذمة قضيه التنظيم الدولي بعد أن استندت على تقارير لجنة خبراء العدل، وأوضحت أن الاتهامات الموجهة له من قبل نيابة أمن الدولة ليس لها أساس من الصحة ولا دليل عليها، غير أن وزير الداخلية رفض تنفيذ حكم محكمة الجنايات، وأمرَ طبقاً للصلاحيات التي يخولها له قانون الطوارئ باعتقال الدكتور أسامة سليمان.
وولدت محكمة أمن الدولة العليا "طوارئ" من رحم قانون الطوارئ المصري، وهي محكمة غير دستورية أصلاً، حيث أنشئت وفقاً للمواد 7، 8، 9، 10، 12، 13 من قانون الطوارئ، وتلك المواد هي مواد غير دستورية لتعارضها مع المواد 40، 41، 65، 66، 73، 137، 151، 152، 165، 166، 167، 195 من الدستور الذي يعد القانون الأعلى كما هو معلوم.
وقد تعالت أصوات المنظمات الحقوقية والإنسانية والعديد من الكتاب الأحرار للمطالبة بإلغاء تلك المحاكم، وإنهاء سجلها الأسود في انتهاك حقوق الإنسان، وانتهاك سيادة الدستور، عبر قانون استثنائي يجعل من هذه المحكمة، نموذجا للتجني والمراوغة والاستهداف السياسي تحت مسميات قانونية، أبعد ما تكون عن روح أي قانون بشري ينتمي لثقافة احترام حقوق الإنسان في القرن الواحد والعشرين.
وتحولت محكمة أمن الدولة العليا طوال عقود من التاريخ المصرى إلى قوة ساحقة، وبدلا من أن يكون القضاء مكاناً للحق والعدل، تحولت هذه المحكمة إلى قوة مخيفة، ويكفي أن يحال أي شخص أمامها ليتوقع اشد الأحكام قسوة. وهذه المحكمة أصدرت أحكامها في قضايا الجماعات السياسية المعارضة ومنها جماعة الإخوان المسلمين، كما أصدرت أحكاما بحق نشطاء سياسيين وحقوقيين وغيرهم كثير.
ورغم ملامح الشدة والقسوة التي تميزت بها المحكمة لكثير من الوقت، فإن ذلك لم يمنع رجال قضاء وقانون مصريين وجماعات حقوق الإنسان من القول بعدم شرعية هذه المحكمة وعدم دستوريتها بالاستناد إلى حيثيات دستورية وقانونية، من بينها أن إنشاء هذه المحكمة تم بناء على إعلان حالة الطوارئ وهي حالة غير دستورية، وإنما جاءت من خارج السلطة القضائية وتشكيلاتها، حيث لا يشترط ان يكون رئيس وأعضاء المحكمة من القانونيين ومن رجال القضاء، والمحكمة لا تلتزم بمعايير العدالة القضائية، وقرارات قضاتها بمن فيهم قاضي التحقيق غير قابلة للطعن والنقض، وفوق ذلك كله فإن المحكمة غير ملتزمة بالإجراءات المتبعة في القضاء المصري.
وبالنظر إلى القانون الدولي والمعاهدات التي وقعت عليها مصر فإن القيام بالعمل على إحالة مدنيين إلى محكمة أمن الدولة العليا طوارئ يعد انتهاكا لأبسط حقوق الإنسان التي نادت بها الأعراف و المواثيق الدولية ومنها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
وفضلاً عن ذلك فإن لجوء النظام المصري إلى التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين بحسب قانون الطوارئ وتقديم أعضائها إلى قضاء استثنائي يبدو أمراً مثيراً للاستنكار، خاصة وأنها تمثل فصيلاً سياسياً معارضاً يمتلك 88 مقعداً في مجلس الشعب المنتخب من قبل الشعب المصري في العام 2005، وهو الأمر الذي يمثل انتهاكاً صارخاً لحرية الرأي و التعبير، التي كفلها القانون والدستور المصري، ناهيك عن القانون الدولي الذي يمنح الإنسان الحق في حرية الحركة والتعبير والتجمع السلمي دونما قيد أو شرط.
وفي هذا السياق، ترى الكرامة أن استمرار ظاهرة إحالة المدنيين للمحاكمات العسكرية ومحاكم أمن الدولة العليا "طوارئ" في مصر يمثل انتهاكاً واضحا وصريحا لحق كل شخص في المثول أمام قاضيه الطبيعي والتظلم أمام محكمة أعلى والحق في المثول أمام محكمة مستقلة منشأة بحكم القانون، وهي مبادئ لا تتوافر بأي حال من الأحوال في القضاء العسكري المصري أو في محاكم أمن الدولة "طوارئ"، حيث تنعدم فيها إمكانية الطعن على الأحكام الصادرة منها.
ولا يفوت التذكير أيضا بأن التوسع في إحالة المتهمين إلى القضاء الاستثنائي المشكل بموجب قانون الطوارئ المصري رقم (162) لسنة 1958، يعد انتزاعا لحق الأفراد في المثول أمام قاضيهم الطبيعي وحرمانهم من الحق في استئناف الأحكام الصادرة ضدهم أمام محكمة أعلى