29 نيسان/أبريل 2014

مصر: شهر واحد، نفس المحكمة و1212 حكما بالإعدام

بعد محاكمات هزلية وسريعة، أصدرت محكمة جنايات المنيا خلال شهر واحد حكمين بالإعدام في حق 1212 شخصا، في قضيتين منفصلتين، ترتبطان بالمظاهرات التي حدثت في 14 أغسطس 2013. صدر حكم الإعدام الأول في مارس الماضي في حق 529 من أعضاء وأنصار جماعة الإخوان المسلمين. وأكدت المحكمة في جلسة عقدت يوم الإثنين 28 أبريل 2014 حكم الإعدام في حق 37 شخصا، فيما قرّرت تخفيف العقوبة إلى المؤبد في حق 492. و أصدرت في نفس اليوم حكما بالإعدام في حق 683 شخصا آخرا من ضمنهم الدكتور محمد بديع المرشد العام للجماعة. وتشمل التهم الموجهة إليهم "القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، والإتلاف العمدي للممتلكات العامة والخاصة، والانضمام إلى تنظيم إرهابي، وإلا ضرار بالوحدة الوطنية..."

أصيب المجتمع المدني الدولي بالذهول إثر صدور هذه الأحكام. وقالت نافي بيلاي المفوضة السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة " إنه لأمر مشين أن تفرض الغرفة السادسة لمحكمة الجنايات في المنيا للمرة الثانية خلال شهر عقوبة الإعدام على مجموعات كبيرة من المدعى عليهم بعد محاكمات صورية متسرعة".

شهدت مصر احتجاجات واسعة إثر خلع الرئيس محمد مرسي في 3 يوليو 2013، وقمعتها قوات الأمن والجيش بعنف غير مسبوق، مستعملة في ذلك الذخيرة الحية مما أسفر عن سقوط العديد من الضحايا. قامت السلطات العسكرية في 14 أغسطس 2013 بعد الإعلان عن حالة الطوارئ بالهجوم على الساحات التي تجمع فيها المتظاهرون السلميون احتجاجا على الانقلاب العسكري. واستعمل الجيش الأسلحة النارية ووسائل عسكرية أخرى لفض الاعتصامات، مما أذى إلى مصرع ما لايقل عن 985 وجرح الآلاف، إضافة إلى اعتقال مئات الآخرين ومتابعتهم بتهم مختلفة كـ "الانضمام إلى منظمة محظورة أو القيام بأعمال إرهابية"
كانت محافظة المنيا، باعتبارها معقلا للاخوان المسلمين، مسرحا لاحتجاجات شعبية واسعة ضد الانقلاب العسكري. وألقي القبض على المئات من الأشخاص في منازلهم أو من الشارع العام أو من مقرات عملهم، بسبب انتمائهم الفعلي أو المزعوم لجماعة الإخوان المسلمين، أو لحزب الحرية والعدال، وتعرض المعتقلون للتعذيب الشديد في مقرات الأجهزة الأمنية.
ثم وجهت لهم تهمة "المساس بالنظام العام"، "وإتلاف الممتلكات العامة والخاصة"، "مهاجمة مركز للشرطة" و "التسبب في وفاة ضابط شرطة"...
انتهاكات أثناء التحقيق

لم تكن الانتهاكات التي طالت المتهمين أثناء إجراءات التحقيق في القضيتين وخاصة حقهم في الدفاع، إلا تمهيدا للنتائج التي أسفرت عنها المحاكمات. حيث أجريت بطريقة سريعة وغير جادة خاصة وأن الاتهامات عقوبتها الإعدام بموجب قانون مكافحة الإرهاب الجديد.
ففي القضية الأولى يظهر قرار الإحالة رقم 1852/2013 على محكمة جنايات المنيا، الذي أصدره المدعي العام عبد الرحيم عبد الملك، بوضوح عدم مباشرة أية تحقيقات أولية جادة، واقتصر على سرد جميع المتهمين وتوجيه عدد من التهم إليهم بشكل جماعي.
نبه دفاع المتهمين خلال مراحل التحقيقات الأولية إلى العديد من الانتهاكات واحتج على ذلك، إلا أن المحامين تعرضوا بدورهم للتهديد والاعتقال بتهمة "دعم تنظيم إرهابي".

محاكمة جائرة وحكم بإعدام 37 شخصا
كانت الإجراءات موجزة وعاجلة في القضية التي صدر فيها حكم بالإعدام في حق 529 شخصا، ولم تعرف المحاكمة إلا جلستين، لم تدوما أكثر من 20 دقيقة، ولم تحترم جل مواصفات المحاكمة العادلة التي نص عليها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
كما أن المحكمة عينت محامين آخرين بدل هيئة الدفاع التي وكلها المتهمون. بالفعل فإن المتهمين لم يسمح لهم بالتواصل مع دفاعهم قبل انعقاد المحاكمة، ولم يسمح لبعض المحامين بولوج قاعة المحكمة لمساندة موكليهم. وعندما احتج المحامون شتمهم القاضي وأمر قوات الأمن بإخراجهم من القاعة.

لم تعط المحكمة للمتهمين فرصة للدفاع عن أنفسهم، ولم يسمح لهم باستدعاء شهود الدفاع، وكان الشاهد الوحيد الذي استدعاه الادعاء ضابطا لم يكن حاضرا أثناء الأحداث. ثم أن القاضي أظهر منذ البدية تحيزا سافرا ضد المتهمين، وناداهم بالإرهابيين في انتهاك صارخ لقرينة البراءة التي نصت عليها المواصفات الدولية للمحاكمة العادلة.

رغم أن 118 متهما من أصل 529 كانوا معتقلين، إلا أن المحكمة لم تستدع إلا 64 منهم منتهكة بذلك مبادئ العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، واعتبرت أن بقية المتهمين في حالة فرار. زد على ذلك أنها منعت أهالي المتهمين والصحفيين والمحامين من الحضور، وأغلقت قوات الأمن المنافذ المؤدية إلى المحكمة. ثم أن هيئة الدفاع التي تشكلت تلقت تهديدات بالقتل من مصالح الأمن، وأصدر المدعي العام أوامر بالقبض على بعض المحامين مما اضطرهم إلى الفرار خوفا على حياتهم.

في 24 مارس 2014، حكم على 529 متهما جماعيا بالإعدام بتهمة "المساس بالأمن العام" وإتلاف الممتلكات الخاصة والعامة" و "الهجوم على مركز للشرطة" و "التحريض على قتل شرطي" وأحيلت أوراقهم على مفتي الجمهورية لإبداء رأيه الاستشاري غير الملزم. وفي 28 أبريل 2014 أكد القاضي سعيد يوسف سعد صبرة، حكم الإعدام في حق 37 متهما بينما خفف الأحكام لـ 492 آخرين إلى السجن المؤبد أغلبهم غيابيا. وقالت المفوضة السامية لحقوق الإنسان نافي بيلاي عن هذه المحاكمة " في تحد للنداءات الموجهة لمصر من جميع أنحاء العالم لكي تحترم التزاماتها في مجال حقوق الإنسان بعد أن أصدرت نفس المحكمة حكما بإعدام 529 شخصا في مارس، يواجه الآن مئات آخرين نفس المصير، على يد نظام قضائي ما فتئ يتجاهل الضمانات الدولية للمحاكمة العادلة"

أنصار مرسي يحكمون بالإعدام
أدانت محكمة جنايات المنيا في قضية مماثلة، لكن منفصلة، في 28 أبريل 2014 الدكتور محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين و682 آخرين بالإعدام بتهمة "قتل ضابط شرطة" في 14 أغسطس 2013، إثر مهاجمة مركز الشرطة بمنطقة العدوة بالمنيا. ويؤكد العديد من الشهود أن بعض المحكومين لم يكونوا بالمنطقة أثناء الأحداث بما فيهم الدكتور محمد بديع، وأن بعضهم قد توفي.

وهذا هو الحكم الأول الصادر في حق مرشد جماعة الإخوان المسلمين، الذي يواجه مع الرئيس المخلوع محمد مرسي قضايا أخرى باتهامات مختلفة، ولم يكن حاضرا ساعة صدور الحكم لأنه كان يحضر محاكمة أخرى بالقاهرة بتهمة "التحريض على القتل" في قضية مرتبطة بمظاهرة جرت في يونيو الماضي.

لم تدم جلسة 28 أبريل 2014 إلا عشرة دقائق، ولم يقدم الادعاء إلا صورا مدعيا أنها للمتهمين وهم يهاجمون قسم الشرطة. وكما هو الحال في المحاكمة السابقة، لم يحضر أغلب المتهمين، ومُنعت هيئة الدفاع من القيام بواجبها ولم يسمح لها باستدعاء شهودها.
وحددت محكمة جنايات المنيا تاريخ 21 يونيو 2014 لإصدار حكمها النهائي في حق 683 متهما أغلبهم غيابيا، وأحيلت أوراقهم على مفتي الجمهورية العام ليقوم بمهمته الشكلية.

عدالة صورية وتصعيد الحملة ضد المعارضين
نشر ثمانية من مقرري الأمم المتحدة الخاصين في 31 مارس 2014، بيانا وصفوا فيه هذه المحاكمات بـ "العدالة بالصورية". وهذه الأحكام جزء من حملة مدبرة تهدف إلى دعم الحكم العسكري، وخنق أي معارضة، وأمثلة متطرفة لأحكام نمطية مسيسة لا يقبلها العقل ، وتدخل في حملة التصعيد التي تشنها السلطات العسكرية على كل المعارضين، سواء تعلق الأمر بالإخوان المسلمين أو اللبيراليين أو العلمانيين. وبالفعل قضت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة يوم الاثنين 28 أبريل بحظر أنشطة حركة 6 أبريل، التي لعبت دورا محوريا في ثورة 2011 المناهضة لحكم مبارك، ومصادرة ممتلكاتها في مصر، بتهمة "القيام بأعمال تشوه صورة الدولة المصرية والتخابر مع قوى أجنبية".

خاطبت الكرامة اليوم مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بمسألة القتل خارج نطاق القضاء، وناشدته بالتدخل لدى السلطات المصرية ومطالبتها باحترام التزامتها التي تعهدت بها بمصادقتها على العهود والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وإلغاء أحكام الإعدام الجماعية، واعتبار أي تنفيذ لهذه الأحكام قتلا خارج نطاق القضاء كما أشارت إلى ذلك مفوضة الأمم المتحدة نافي بيلاي.

 

سقط منذ الانقلاب العسكري أكثر من 1500 قتيل وألقي القبض على أكثر من 16.000 شخصا آخر
للمزيد اطلع على تقرير الكرامة: الإفلات من العقاب ليس خيارا

آخر تعديل على الأربعاء, 30 نيسان/أبريل 2014 16:28
support us
follow_fb follow_tw follow_yt

NS_AR.png