السبت, 29 آب/أغسطس 2015 12:16

اليوم العالمي لضحايا الاختفاء القسري، موجز عن هذه الممارسة الواسعة الانتشار في العالم العربي مميز

كتبه 
قيم الموضوع
(1 تصويت)
اعتصام لأسر المختفين قسريا بالجزائر اعتصام لأسر المختفين قسريا بالجزائر


يخلد المجتمع الدولي في 30 أغسطس 2015 من كل سنة اليوم العالمي لضحايا الاختفاء القسري، بقرار من المم المتحدة في ديسمبر 2010. وكانت هذه المناسبة خلال السنة الماضية فرصة للجنة المعنية بالاختفاء القسري، وللفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي "لدعوة الحكومات لمساعدة أسر ضحايا المختفين وإزالة جميع العوائق التي تمنعهم من معرفة مصير أقاربهم، بما في ذلك فتح الأرشيفات خصوصا العسكرية".

واليوم تجدد الكرامة هذه الدعوة إلى جميع الدول العربية وتقدم العديد من حالات الاختفاء التي وثقتها مؤخرا في كل من مصر التي اختطف فيها أكثر من 1000 شخص، وأيضا في ليبيا والعراق وسوريا واليمن، التي تلجأ فيهما الحكومات وأيضا الجماعات المسلحة إلى هذه الممارسة كوسيلة للترهيب ونشر الرعب لدى السكان. كما لوحظ أن هذه الظاهرة أخذت شكلا آخر في دول كالإمارات التي يقوم فيها أمن الدولة باحتجاز الأشخاص في معتقلات سرية بمعزل عن العالم لفترات مطولة.

حالات من الجزائر وليبيا وتونس
في الجزائر لازالت أسر آلاف المختفين تجهل مصيرهم، ولا زال المسؤولون عن تلك الانتهاكات بعيدين عن كل مساءلة، وإفلات تام من العقاب، ولازالت السلطات الجزائرية ترفض الاعتراف بمسؤوليتها. كأفراد عائلة بورفيس الذين اصطدموا برفض الحكومة الجزائرية تسليط الضوء عن مصير قريبهم، وتشبتوا بالتحقيق في قضيته. وطالبت اللجنة المعنية بحقوق الانسان سنة 2014 الحكومة الجزائرية بالتحقيق في اختفاء كل من الطاهر والبشير بورفيس، ومتابعة المتورطين وإنصاف أقاربه و ضمان عدم تكرار هذه الممارسات في المستقبل. وبدل ذلك قامت السلطات باستدعاء أقارب الضحية واستجوبتهم بشأن القضية التي رفعوها إلى اللجنة الأممية، محاولة بذلك ترهيبهم وثنيهم عن الاستمرار في البحث عن مصير بورفيس.

أما في ليبيا ، فإن ممارسة الاختفاء القسري تركت أهالي المختفين في جهل تام للظروف التي فارقوا فيها الحياة، كما هو الشأن، بالنسبة للطيار الشاب، عبد الحميد الداقل، الذي اختفى بعد القبض عليه من قبل رجال الأمن دون أمر قضائي سنة 1989، تم توصلت أسرته فيما بعد من السلطات بشهادة وفاة مبهمة لا توضح الظروف التي لقي فيها حتفه. ولم تختف ممارسات الماضي من ليبيا، بل على العكس من ذلك، فقد أصبح الاختفاء القسري منهجيا إثر التدهور السياسي والأمني الذي تعيشه البلاد. وبالفعل فإن المليشيات و الجيش مسؤولون عن العديد من الاختطافات والاختفاءات القسرية في البلاد. ففي 20 أكتوبر 2014 اختطف عبد الناصر الجروشي مساعد النائب بنيابة الجنوب ببنغازي من أمام جامعة العرب الطبية ضواحي مدينة بنغازي من قبل كتيبة الصاعقة الخاضعة لجيش حكومة طبرق المعترف بها دوليا.

وعلى العكس من الجزائر وليبيا حيث استفحلت هذه الممارسة نظرا لبيئة الإفلات التام من العقاب السائدة في البلدين، فإن الاختفاء القسري في تونس أقرب إلى الاحتجاز بمعزل تام عن العالم الخارجي إلا في حالة الشاب وليد حسني. وأصبحت هذه الممارسة منهجية في حق كل المتهمين في قضايا الإرهاب. ويتم اختطاف الضحايا ليلا بشكل عام، ثم يعتقلون في السر لأيام يتعرضون خلالها للتعذيب وسوء المعاملة. كقضية الشاب المهدي بن كرم الذي اتهم بالإرهاب، أو الشابة التي لم تتجاوز 20 سنة التي اتهمت بإدارة صفحتين لحركة إرهابية على فيسبوك، وهي الاتهامات التي نفتها كليا. ولا زال الإثنان معتقلين في ظروف مزرية، محرومان من العناية الصحية، رغم أن القاضي رأى آثار التعذيب الواضحة على جسديهما.

منطقة النيل، مصر كنموذج
أصبحت مصر مسرحا لهذه الممارسة، وارتفعت وتيرة الاختفاءات القسرية لدرجة أنها اعتبرت "منهجية وواسعة الانتشار وترقى إلى جريمة ضد الإنسانية طبقا للمادة 7 من نظام روما". وتقدر الكرامة أن السلطات الأمنية في مصر قامت باختطاف أكثر من ألف شخص منذ مطلع سنة 2015 فقطـ. ورغم ظهور بعض المختطفين، إلا أن الغالبية لا زالت في عدد المفقودين، في حين قتل البعض الآخر دون أن تفتح السلطات أي تحقيقات في حالاتهم.

وثقت الكرامة العديد من حالات الاختفاء القسري، بما فيها قضية طفل يبلغ من العمر 16 سنة مع ستة رجال، وقضايا طلبة، ونائب سابق في مجلس الشورى المصري. وليست هذه القضايا إلا نماذج توضح الانتشار الوبائي لهذه الممارسة "البغيضة"، وإصابتها لكل شرائح المجتمع. وبالفعل تعمل الأجهزة الأمنية في البلاد في إفلات تام من المحاسبة والعقاب. كما أن النيابة والادعاء لا يعلمون في الغالب بالتوقيفات التي تقوم بها هذه الأجهزة، وفي حالة علمهم بالأمر لا يقومون بالتحقيق فيها. أكثر من ذلك، تشير شهادات كل الذين مروا بمقرات الأمن الوطني أو مراكز الشرطة أو معسكرات الأمن المركزي، أنهم تعرضوا لكل أشكال التعذيب وسوء المعاملة، كما هو الحال بالنسبة لعبد الرحمن محمود عمر كمال، الذي كان ناشطا في مجال العمل الخيري، والذي قبض عليه الأمن الوطني في 22 سبتمبر 2014، ثم احتجزه في السر طيلة 119 يوما تعرض خلالها للتعذيب.

كما وثقت الكرامة حالات لم يظهر فيها المختفون إلا بعد انتزاع اعترافاتهم تحت التعذيب بجرائم لا يمكن أن يكونوا قد ارتكبوها، نظرا لأنهم كانو محتجزين ساعة وقوعها. وهو ما وقع لستة رجال حكم عليهم بالإعدام من قبل محكمة عسكرية، ونفذ في 17 مايو 2015.

المشرق العربي : الاختفاء القسري بالعراق وسوريا
يمارس الاختفاء القسري في كل من العراق وسوريا من قبل الحكومتين والجماعات المسلحة بهدف نشر الرعب وترهيب السكان والانتقام منهم بسبب عمليات عسكرية قامت بها الأطراف المعارضة، أو لكتم كل الأصوات المعارضة لسياساتهم.

ففي العراق التي لا زال فيها مصير الآلاف مجهول وعلى الخصوص أولئك الذين سلمتهم قوات الاحتلال الأمريكية إلى السلطات العراقية، كوسام الهاشمي الذي اختفى سنة 2005، قامت القوات الحكومية بالعديد من الاعتقالات بذريعة "مكافحة الإرهاب". وهو ما حدث مع 12 مواطنا عراقيا اختفوا في 21 أبريل 2014 بعد اختطافهم ليلا من بيوتهم ببغداد من قبل قوات سوات، أو حالة الأخوين الاثنين الذين اختطفا أيضا من بيوتهم من قبل قوات الأمن في 11 أغسطس 2014 و 3 مايو 2015. ولا زال أبويهما إلى اليوم يخشون من أن يكون محتجزين بمطار المثنى القديم غرب بغداد. كما أن المليشيات الموالية للحكومة لعبت دورا هاما في آلاف الاختفاءات، في إفلات تام من المحاسبة والعقاب، حيث أن السلطات لا تكلف نفسها أبدا عناء فتح تحقيقات في الانتهاكات المرتكبة أو إحالة أي مسؤول على العدالة.

أما في سوريا، فقد أصبح الاختفاء القسري متفشيا ومنهجيا منذ بداية النزاع. ويتم اختطاف أغلب الضحايا عند نقاط التفتيش التابعة للجيش، أو خلال حملات الاعتقالات الواسعة التي تقودها مختلف الفروع الأمنية السورية. تتم عمليات القبض على الأشخاص دون إذن قضائي، وتهم في الغالب النشطاء السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، والعاملين في المجال الخيري، ولا تستثن حتى المواطنين العاديين. وتقوم الأجهزة الأمنية باحتجاز الضحايا في معتقلات سرية حيث يتعرضون للتعذيب، كما وقع للطالب ورد رعد البالغ من العمر 21 سنة، والذي اختفى قسريا في 14 مارس 2014 بعد القبض عليه من قبل المخابرات العسكرية بعد ما رفض أداء الخدمة العسكرية. ورغم تأكيد معتقلين سابقين رؤيته بفرع المخابرات العسكرية 215 الشهير بممارسة التعذيب، لازالت السلطات تنفي تقديم أية معلومات بشأن مصيره.

وتمارس الجماعات المسلحة المختلفة أيضا الاختفاء القسري، كما حدث للناشط الكردي السوري أزاد عبده، الذي اختطفته عناصر"الدولة الإسلامية" في نوفمبر 2013، أو جبهة النصرة التي اختطفت الكردي السوري رعد رمضان في يوليو 2013، أو رائد محاميد االفلسطيني السوري الذي احتطفته دورية من وحدات حماية الشعب، المعروفة اختصارا بـ (YPG). ولا تسمح بيئة عدم الاستقرار وانعدام الأمن التي تعم البلدين لأسر الضحايا من التبليغ عن اختفاء أقاربهم ، وحتى عندما يقومون بذلك يواجهون بالإنكار.

منطقة الخليج : الاختفاء القسري بالإمارات واليمن
نشهد في الإمارات ارتفاع وتيرة ممارسة الاختفاء من قبل أجهزة أمن الدولة. وتأخد هذه الممارسة شكل احتجاز مطول بمعزل عن العالم الخارجي في معتقل سري، يتعرضون خلاله للتعذيب وسوء المعاملة بهدف انتزاع اعترافاهم وتلفيق التهم لهم. وتستهدف هذه الممارسة في الغالب المدافعين عن حقوق الإنسان والمطالبين بإصلاحات سياسية، وكل من ينتقد أمير البلاد أو سلطاته بغرض توجيه رسالة لكل النشطاء الإماراتيين والأجانب على حد السواء خاصة رعايا الدول التي تخالف توجهات الإمارات السياسية.

وفي هذا السياق ، وثقت الكرامة العديد من الحالات، حيث ألقت أجهزة الأمن الإماراتية في 27 يونيو 2014 القبض على مواطنين قطريين كانا قادمين من السعودية بسبب انتقادهما المزعوم للسلطات الإماراتية. واحتجزتهما بمعزل عن العالم الخارجي لأكثر من ثمانية أشهر، محرومين من الاتصال أو زيارة أسرتيهما التي كانت تجل مصيرهما. ثم اختطفت السلطات الأمنية بمطار دبي رجل الأعمال والأكاديمي التركي عامر الشوا في 2 أكتوبر 2014 واحتجزته بمعتقل سري بمعزل عن العالم طيلة 135 يوما قبل أن تفرج عنه دون أن توجه له أية اتهامات. كما اختطفت المصالح الأمنية المواطن الكندي الليبي الذي كان يقضي عطلته بدبي واحتجزته في السر طيلة 135 يوما تعرض خلالها لكل أشكال التعذيب، ولا زالت تحتجزه إلى اليوم دون أية إجراءات قانونية.وتهم آخر القضايا التي وثقتها الكرامة رجل الاقتصاد البارز والمدافع عن حقوق الإنسان الدكتور ناصر بن غيث الذي اختفى منذ أن قبضت عليه قوات أمن الدولة في 18 أغسطس 2014.

أما في اليمن ، فقد أصبحت ممارسة الاختفاء القسري منهجية في سبعينيات القرن الماضي، وكانت وسيلة تنتهجها مصالح الأمن باليمن الشمالي ضد المعارضين. ففي 17 أبريل 2014، سمح أخيرا لأحمد المسربة، عضو بحزب البعث المناهض لحكومة اليمن الشمالي والبالغ من العمر 66 عاما ،والذي اعتقل سنة 1981 خلال الحرب الأهلية، سمح له أخيرا برؤية ابنه دقائق معدودة، بعد 33 سنة على اختفائه، ووعده الضابط الذي رتب الزيارة بإطلاق سراحه القريب بترحيله إلى مستشفى الأمراض النفسية، لكنه إلى اليوم لازال محتجزا في مكان سري بمعزل عن العالم الخارجي. واستمرت هذه الممارسة حتى بعد توحيد اليمن 1990 سنة.

واليوم تلجأ كل أطراف النزاع في اليمن إلى هذه الممارسة، سواء القوات الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح، أو التابعة للرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي، أو جماعة المتمردين الحوثيين أو القاعدة وكل الجماعات المسلحة الأخرى. ووثقت الكرامة عشرات الحالات تعود فيها مسؤولية الاختفاء القسري للأشخاص إلى القوات الحكومية أو الجماعات المسلحة، كما هو الشأن لجماعة الحوثي والقوات الموالية له التي قامت، حين سيطرتها على محافظة صعدة سنة 2014، بالقبض على العديد من الطلبة واختطاف الشيخ محمد عبد الله غالب، أحد الأصوات المعارضة للتوسع الحوثي في اليمن، والذي اختفى منذ ذلك الحين.

وتقول إيناس عصمان، المنسقة القانونية بمؤسسة الكرامة: "يشكل الاختفاء القسري إحدى الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، حيث يحتجز المختفون خارج أي إطار قانوني ويحرمون من حقوقهم الأساسية"، وتضيف "هذه الجريمة لا تنتهك حق الضحية فقط، بل تخلق الكثير من المتاعب والمعاناة النفسية لأسر الضحايا، الذين لايمكنهم طي هذه الصفحة إلا بعد معرفة مصير قريبهم المختفي.

لمزيد من المعلومات
الرجاء الاتصال بالفريق الإعلامي عبر البريد الإلكتروني عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
أو مباشرة على الرقم 0041227341008

قراءة 9346 مرات آخر تعديل على الإثنين, 31 آب/أغسطس 2015 15:24
support us
follow_fb follow_tw follow_yt

NS_AR.png